كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 583
شيء فيكون ذلك الشيء مقروناً به لحاجته إليه ولا ناواه شيء فيكون ذلك الشيء ضداً له نصراً به ، فيكون ذلك الضد والقرين له ثانياً ، بل توحد بالغنى عن جميع خلقه لأنه كان قبل كل شيء ، والأولية دلت على الوحدانية ، فالواحد اسم يدل على نظام واحد يعلم باسمه أنه واحد ليس قبله شيء :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
والواحد من العدد في الحساب ليس قبله شيء ، بل هو قبل كل عدد وهو خارج عن العدد ، والواحد كيفما أدرته لم يزد فيه شيء ولم ينقص منه شيء ، تقول : واحد في واحد بواحد - فلم يزد على الواحد شيء ، فإذا دل على أنه محدث الشيء دل على أنه مغني الشيء ، وإذا كان مغني الشيء دل على أنه لا شيء بعده ، فإذا لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء فهو المتوحد بالأزل ، يعني فهو الواحد الذي لا نظير له فهو الأحد ، قال : فلذلك قيل : هو واحد وأحد ، وقلنا : إن الأحد هو اسم أكمل - أي أعم - من الواحد ، ألا ترى أنك إذا قلت : فلان لا يقوم له واحد ، جاز في المعنى أن يقوم له اثنان أو ثلاثة فما فوقها ، وإذا قلت : فلا لا يقوم له أحد ، فقد جزمت بأنه لا يقوم له واحد ولا اثنان ولا ما فوقهما ، فصار الأحد أكمل من الواحد ، وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد ، تقول : ليس في الدار واحد ، يجوز أن يكون واحداً من الدواب أو الطير أو الوحش أو الإنس ، فكان الواحد يعم الناس وغير الناس ، وإذا قلت : ليس في الدار أحد ، فهو مخصوص للآدميين دون سائرهم ، والأحد ممتنع من الدخول في الضرب وفي العدد وفي القسمة وفي شيء من الحساب ، وهو منفرد بالأحدية ، والواحد منقاد للعدد والقسمة وغيرها داخل في الحساب ، تقول : واحد واثنان وثلاثة ، فهذا وإن لم يكن من العدد فهو علة العدد ، وداخل في العدد ، لأنك إذا ضربت واحداً في واحد لم يزد ، واثنان هو جذر الحساب ، وتقول في القسمة ، واحد بين اثنين أو ثلاثة ، لكل واحد من الاثنين نصف ، ومن الثلاثة ثلث ، فهذه القسمة ، والأحد ممتنع من هذا ، لا يقال : أحد واثنان ولا أحد في أحد ولا أحد في واحد ولا في اثنين أو ثلاثة ، والواحد وإن لم يتجزأ من الواحد فهو يتجزأ من الاثنين والثلاثة فما فوقهما ، تقول : جزء واحد من جزأين أو ثلاث فما فوقها ، ولا يجوز : جزء أحد من جزأين فمنا فوقهما ، وقد سمى الله نفسه واحداً أحداً ووصف نفسه بالوحدانية والأحدية ، فالواحد نعت يلزمه على الحقيقة لأنه كان قبل ولا ثاني معه ، والثاني خلال الواحدن فهو واحد لاتحاده في القدم ، والخلق اثنان لاقترانه بالحدث لأن الحدث ثان للقدم ، وبه ظهرت التثنية ، فالواحد هو الأحد في ذاته فهو لا شيء قبله ولا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ولا لشيء ولا

الصفحة 583