كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 584
مع شيء ، فيكون ذاك الشيء ثانياً معه بل هو الواحد منشئ والأشياء كلها له ، وهو المتحد بذاته ممتنع من أن يكون له شيء ثانياً بوجه من الوجوه والخلق كله له ، وإن كان يسمى بالواحد ، أو كانت هذه الصفة قد لزمت جميع الأشياء في وجه فإنها تزول عنها في وجه .
كما قيل : إنسان واحد وفرس واحد وبعير واحد ، وكذلك يقال لسائر الأشياء ، وهذه صفة تلزمها في اللفظ ، والمسمى لا يخلو من معان كثيرة مجتمعة فيه كالجسم والعرض ، وهو واحد مجموع من أشياء متفرقة ، وكل شيء لا يخلو من ازدواد وتضاد وتشاكل وحد وعد ، وهذه الصفات كلها تنفي عنه معنى الأحدية والواحدية ، وفي الواحد عن العرب لغات كثيرة ، يقال : واحد وأحد ووحد ووحيد وحاد وأحاد وموحد وأوحد - وهذا كله راجع إلى معنى الواحد ، وإن كان في ذلك معان لطيفة ولم يجئ في صفة الله عز وجل إلا الواحد والأحد ، قلت : والوحيد على بعض الإعرابات في المدثر ، قال : وكلها مشتقة من الواحد ، وكأن ذلك مأخوذ من الحد .
كأن الأشياء كلها إليه انتهاؤها وهي محدودة كلها غيره عز وجل وهو محدود ، بل هو غاية المحدودين وغاية الغايات لا غاية له ، والأحد يجئ في الكلام بمعنى الأول وبمعنى الواحد ، فإذا جاء بمعنى الأول وبمعنى الواحد جاز أن يتكلم به في الخبر كقولك : هذا واحد أحد ، والعرب كانت تسمى يوم الأحد في الجاهلية أولاً ، وقولك ( يوم الأحد ) دليل على أنه اليوم الأول من الأسبوع ، والثنين دليل على أنه اليوم الثاني ، وفي التوراة أن الله عز وجل أول ما خلق من الأيام ( يوم الأحد ) قلت : يمكن أن يكون معنى يوم الأحد يوم الله ، أضيف إليه لكونه أول مخلوقاته من الأيام ، فلما أوجد الثاني سمي يوم الاثنين ، لأنه ثاني يوم الأحد ، قال : وضد الواحد اثنان ، وضد الأحد الآخر ، قال الله تعالى :
77 ( ) قال أحدهما أراني أعصر خمراً ( ) 7
[ يوسف : 36 ] ثم قال في ضده ( وقال الآخر ) فهذا دليل على أن معنى قولهم ( يوم الأحد ) اليوم الأول : لأنهم قالوا لما بعده اثنان ، ولم يقولوا : الآخر ، لأن الأحد إذا لم يكن بمعنى الأول فضده الآخر ، وإذا كان الأحد بمعنى الأول جاز الخبر والجحد ، وإذا لم يكون بمعنى الأول وكان بمعنى الواحد جاز في الخبر في الجحد ، قال الله تعالى :
77 ( ) فابعثوا أحدكم بورقكم هذه ( ) 7
[ الكهف : 19 ] فهذه من الخبر ، فإذا لم يكن أحد بمعنى الأول وبمعنى الواحد لم يجز أن يتكلم به إلا في الجحد ، تقول : ما جاءني أحد ، ولا يجوز : جاءني أحد ، وكلمني أحد ، قال الله تعلاى في معنى الجحد
77 ( ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ( ) 7
[ البلد : 5 ] وأحد يستوي فيه المذكر والمؤنث ، قال الله تعالى :
77 ( ) يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ( ) 7
[ الأحزاب : 32 ] وواحد لا يستوي فيه المذكر والمؤمنت حتى يدخل فيه الهاء فيقال ( واحدة ) لا يجوز

الصفحة 584