كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 585
( كواحد من النساء ) وأحد يكون بمعنى الجمع ، تقول العرب : يظل أحدنا الأيام لا يأكل ، بمعنى كلنا لا يأكل ، فاحتمل معنى الواحد والجماعة - انتهى ، فالواحد من الأسماء الثبوتية الإضافية ، يكون في أصل اللغة بالنسبة إلى ثان هو نصفه ، وثالث هو ثلثه ، وهكذا هو صفة الله تعالى بمعنى المتوحد في الاتصاف بالألوهية حتى لا يقبلها غيره بوجه ، فلا شريك له ، والأحد من النعوت السلبية ، بل هو مجمعها ، هو أحد في نفسه لا يقبل العدد ولا التركيب بوجه لا بالقسمة ولا بغيرها سواء نظر إليه بالنسبة إلى الغير أو لا ، فهو متحمض للسلب ، فهو وصف راجع إلى نفس الذات بمعنى أنه كامل في ذاته لا يؤثر في مفهومه النظر إلى شيء أصلاً ، والفرد ناظر إلى نفي العدد ، فافترقت الأوصاف الثلاثة وإن كانت متقاربة في المعنى .
وقال الإمام أبو الخير الزويني الشافعي في كتابه ( العروة الوثقى في أصول الدين ) ناقلاً عن بعض من فرق بينه وبين الواحد : إن الأحد اسم لنفي مايذكر معه ، وعن بعضهم أنه الذي لايجوز له التبعيض لا فعلاً ولا وهماً ، فهو أحد بذاته وأحد بصفاته ، وتوحيد الله تعالى لنفسه علمه بأنه واحد ، وإخباره بذلك وتوحيد العبد له علمه بذلك مع إقراره به ، وقال الإمام فخر الدين الرازي في شرح الأسماء الحسنى : فالله سبحانه وتعالى أحد في ذاته ، أحد في صفاته ، أحد في أفعاله ، أحد لا عن أحد غير متجزئ ولا متبعض ، أحد غير مركب ولا مؤلف ، أحد لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئاً ، أحد غني عن كل أحد - انتهى ، وهذا معنى ما نقله المعربون عن ثعلب أنه فرق بينهما بأن واحداً يدخله العدد ، وأحد لا يدخله ذلك ، يقال : الله أحد ، ولا يقال : زيد أحد ، لأن الأحد خصوصية الله تعالى ، زيد يكون منه حالات ، ونقض عليه بالعدد المعدد المعطوف ، يقال : أحد وعشرون واثنان وعشرون ، ورد بأن أداً فيه بمعنى واحد ، وقال الإمام فخر الدين في شرح الأسماء : إنه اختص به البارئ سبحانه ، أما الواحد فيحصل فيه المشاركة ، ولهذا السبب أرعي من لام التعريف لأنه صار نعتاً لله عز وجل على الخصوص ، فصار معرفة ، وقال الأزهري : سئل أحمد بن يحيى عن الأحاد هل هي جمع أحد ، فقال : معاذ الله ليس للأحد جمع ، ولا يبعد أن يقال إنه جمع واحد جمع أحد ، فقال : معاذ الله ليس للأحد جمع ، ولا يبعد أن يقال إنه جمع واحد كالأشهاد جمع شاهد - انتهى ، وقال الإقليشي في شرح الأسماء : الأحد هو الذي ليس بمنقسم ولا متجزئ ، فهو على هذا اسم لعين الذات ، فيه سلب الكثرة عن ذاته ، فتقدس بهذا الوصف عن صفات الأجسام القابلة للتجزي والانقسام ، والنقطة والجوهر الفرد عن مثبته - يعني من المتكلمين ، والجوهر البسيط عند مدعيه - يعني من الفلاسفة ، وإن كانت هذه لا تتجزى ولا تنقسم وإنها مخالفة للبارئ تعالى في أحديته ، أما النقطة

الصفحة 585