كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 588
قال الإمام جعفر بن الزبير : لما انقضى مقصود الكتاب العزيز بجملته عاد الأمر إلى ما كان ، وأشعر العالم بحالهم من ترددهم بين عدمين
77 ( ) ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ( ) 7
[ العنكبوت : 20 ] فوجودهم منه سبحانه وبقاؤهم به وهم وجميع ما يصدر عنهم من أقوالهم وأفعالهم كل ذلك خلقه واختراعه ، وقد كان سبحانه وتعالى ولا عالم ولا زمان ولا مكان ، وهو الأآن على ما عليه كان ، لا يفتقر إلى أحد ولا يحتاج إلى معين ، ولا يتقيد بالزمان ، ولا يتحيز بالمكان ، فالحمد لله رب العالمين ، أهل الحمد ومستحقه مطلقاً ، له الحمد في الأولى والآخرة ، وله الحكم وإليه المصير ) قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ( هو الموجود الحق ، وكلامه الصدق ،
77 ( ) وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب والدار الآخرة خير للذين يتقون ( ) 7
[ العنكبوت : 64 ] فطوبى لمن استوضح آي كتاب الله ، وأتى الأمر من بابه وعرف نفسه ودنياه ، وأجاب داعي الله ولم ير فاعلاً في الوجود حقيقة إلا هو سبحانه وتعالى والحمد لله رب العالمين ، ولما كمل مقصود الكتاب ، واتضح عظيم رحمة الله به لمن تدبر واعتبر وأناب ، كان مظنة الاستعاذة واللجأ من شر الحاسد وكيد الأعداء فختم بالمعوذتين من شر ما خلق وذرأ وشر الثقلين - انتهى .
ولما تم البيان لهويته سبحانه وتعالى على هذا الوجه الذي أنهاه بالأحدية المعلمة بالتنزه عن القسمة والنظير ، وكان بيان القرآن بالغاً أقصى نهايات البيان ، وكان الأحد من النعوت المتوغلة في السلب ، وكانت الشركة تقع في التعبير به في النفي وهو بمعناه الحقيقي وتقع فيه بالإثبات والسلب على حد سواء ، أو دلالته على الكمال والإضافة أكمل ، وبناه على الاسم الأعظم الذي هو آخر الأسماء الظاهرة وأول الأسماء الباطنة ، ولم يقع فيه شركة بوجه دفعاً لكل تعنت ، وإشعاراً بأن لم يسم به لم يستحق الألوهية ، وأخلى الجملة عن عاطف لأنها كالنتيجة للأولى والدليل عليها ، فقال مكاشفاً لنفوس المؤمنين وللعلماء معيداً الاسم ولم يضمر لئلا يظن تقيد بحيثية غيب أو غيرها : ( الله ) أي الذي ثبتت إلهيته وأحديته ، لا غيره ) الصمد ( الذي تناهى سؤدده المطلق في كل شيء إلى حد تنقطع دونه الآمال ، فكان بحيث لا يحتاج إلى شيء وكل شيء إليه محتاج ، وتنزه عن الجوفية فلم تدن من جنابه بفعل ولا قوة لأنه تنزه عن القسمة بكل اعتبار مع العظمة التي لا يشببها عظمة ، فكان واحداً بكل اعتبار ، وذلك هو مفهوم الأحدية عبارة وإشارة ، فكان مصموداً إليه في الحوائج أي مقصوداً لأجلها ، فهو الموصوف بهذا الاسم على الإطلاق ، وبكل اعتبار ، فكان موجداً للعالم لأن العالم مركب بدليل المشاهدة فكان ممكناً فكان محدثه واجباً قديماً ، نفياً للدور والتسلسل

الصفحة 588