كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 589
المحالين ، وخلقه له بالقدرة والاختيار لأنه لو كان بالطبع والإيجاب لكان وجوده مع وجوده لأن العلة لا تنفك عن المعلول ، فيلزم من قدم البارئ عز وجل قدم العالم ، ومن حدوث العالم حدوث البارئ جل وعز ، وذلك جمع بين النقيضين وهو محال ، وقصر الصمدية عليه لأن اشتداد الألف لحاجة الشيء إلى غيره ربما كان موجباً لخفاء اختصاصه به ، ولم يقصر الأحدية إما للتنبيه على أن ذلك لشدة ظهوره غني عن التأكيد ، وإما استئلافاً لهم لئلا ينفروا قبل سماع تمام السورة على أنه بظهور قصر الصمدية التي أحد معنييها لازم الأحدية ظهر الاختصاص بالأحدية ، قال العلماء رحمهم الله تعالى : والصمد من صمد إليه - إذا قصده ، وهو كالأحد ، بني على هذا الوزن لأنه لا تلحقه المضارعة ولا تدن منه المشابهة لأنه اسم خاص فهو السيد المصمود إليه ، وهو أيضاً الذي لا جوف له ولا رخاوة بوجه فيه ، لأن الأجواف وعاء ، وكل وعاء محتاج إلى موعيه ، يقال : شيء مصمد ، أي صلب ، وحجر صمد : أملس لا يقبل الغبار ولا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء ، قال ابن قتيبة : وهو على هذا الدال فيه مبدله من التاء وهو المصمت ، وهو أيضاً العالي الذي تناهى علوه ، تقول العرب لام أشرف من الأرض : صمد - بإسكان الميم ، وبناء صمد أي معلى ، فهو على التفسير الأولى من الصافات الإضافية بمعنى أنه سيد لكل موجود ، والكل محتاجون إليه في ابتداء إيجادهم وفي تربيتهم ، فهم يصمدون إليه في الحوائج ويقصدون إليه في جميع الرغائب ، وهو غني على الإطلاق ، وذلك هو اتصافه بصفات الإلهية ، قال الإقليشي فعلى هذا أي أنه الذي يلجأ إليه ويعتمد عليه لتناهي سؤدده - يتشعب من صفة الصمد صفات السؤدد كلها من الجود ، والحلم وغير ذلك وإذا قلنا : إن الصمد العالي تشعبت منه صفات التعالي كلها من العزة والقهر والعلو ونحوها - انتهى ، وقد روى البيهقي رحمة الله تعالى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ( الصمد ) قال : هو السيد الذي كمل في سؤدده ، والشريف الذي كمل في شرفه ، والعظيم الذي كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والغني الذي كمل في غناه ، والجبار الذي كمل يف جبروته ، والعالم الذي قد كمل في علمه ، والحكم الذي قد كمل في حكمه ، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله عز وجل ، هذه صفته لا تنبغي إلا له ، ليس له كفوء ، وليس كمثله شيء ، فسبحان الله الواحد القهار وقال أبو العباس بن تيمية الحنبلي في كتابه ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) : أجمع سلف الأمة وأئمتها أن الرب سبحانه وتعالى بائن منمخلوقاته ، يوصف بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل بوصف من صفات الكمال دون صفات

الصفحة 589