كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 59
الله وهي في حبالة عدوه ، وأسقط وصفه بالعبودية دليلاً على تحقيره وعدم رحمته لأنه أعدى أعدائه ، وأشار إلى وجه الشبه في المثل وهو التحيز إلى حزب الله بقدر الوسع فقال : ( إذ ) أي مثلهم مثلها حين ) قالت ( تصديقاً بالعبث منادية نداء الخواص بإسقاط الأدة لأجل أنها مؤمنة وإن كانت تحت كافر بنا فلم تضر صحبته شيئاً لأجل إيمانها : ( رب ) أي أيها المحسن إليّ بالهداية وأنا في حبالة هذا الكافر الجبال ولم تغرني بعز الدنيا وسعتها ) ابن لي ( .
ولما كان الجار مطلوباً - كما قالوا - قبل الدار ، طلبت خير جار وقدمت الظرف اهتماماً به لنصه على المجاورة ولدلالته على الزلفى فقالت : ( عندك بيتاً ( وعينت مرادها بالعندية فقالت : ( في الجنة ( لأنها دار المقربين فظهر من أول كلامها وآخره أن مطلوبها أخص داره ، وقد أجابها سبحانه بأن جعلها زوجة لخاتم رسوله الذي هو خير خلقه وأقربهم منه ، فكانت معه في منزله الذي هو أعلى المنازل .
ولما سألت ما حيّزها إلى جناب الله سألت ما يباعدها في الدارين من أعدائه فقالت : ( ونجني ) أي تنجية عظيمة ) من فرعون ) أي فلا أكون عنده ولا تسلطه عليّ بما يضرني عندك ) وعمله ) أي أن أعمل بشيء منه ) ونجني ( أعادت العامل تأكيداً ) من القوم الظالمين ) أي الناس الأقوياء العريقين في أن يضعوا أعمالهم في غير مواضعها التي أمروا بوضعها فيها فعل من يمشي في الظلام عامة ، وهم القبط ، لا تخالطني بأحد منهم ، فاستجاب الله تعالى دعاءها وأحسن إليها لأجل محتبها للمحبوب وهو موسى عليه الصلاة والسلام كما يقال : صديق صديقي داخل في صداقتي ، وذلك أرها الله بيتها في الجنة ولم يضرها كونها تحت فرعون شيئاً لأنها كانت معذورة في ذلك ، فالآية من الاحتباك : حذف أولاً ( فلم تسألا الجنة ) لدلالة ( رب ابن لي ) ثانياً عليه ، وحذف ثانياً ( كانت تحت كافر ) لدلالة الأول عليه .
ولما أتم المثل بمن أساءتا الأدب فلم تنفعهما الوصلة بالأولياء بل زادتهما ضرراً للإعراض عن الخير مع قربه وتيسره ، وبمن أحسنت الأجب فلم تضرها الوصلة بأعدى الأعداء بل زادتها خيراً لإحسانها مع قيام المغتر بها عن الإحسان ضرب مثلاً بقرينتها في

الصفحة 59