كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 591
بصمديته المستلزمة لوحدانيته أن الكل مستند إليه ومحتاج إليه ، وأنه المعطي لوجود جميع الموجودات ، والمفيض للجود على كل الماهيات فلا يجانس شيئاً ولا يجانسه شيء ، ولا يكون له نظير في شيء من ذلك .
وكان ربما تعلق بوهم واهم أن تولد غيره عنه يكون من تمام سؤدده المعبر به عن قدرته ، بين أن ذلك محال لاقتضائه الحاجة مما لا تعلق له بالقدرة لأن القدرة من شأنها أنها لا تتعلق بالمحال ، وهذا محال ، لأنه سبحانه صمد ، فكان ذاك بياناً للصمدية في كلا معنييها ، فقال من غير عاطف دالاًّ على انتفاء الجوف الذي هو أحد مدلولي ( صمد ) مكاشفاً للعقلاء شارحاً لأنه لا يساويه شيء من نوع يتولد عنه ولا جنس يولد هو عنه ، ولا غير ذلك يوازيه في وجود ولا غيره ) لم يلد ) أي يصح ولم ينبغ بوجه من الوجوه أن يقع تولد الغير عنه مرة من المرات ، فكيف بما فوقها لأن ذلك مستلزم للجوف وهو صمد لا جوف له ، لأن الجوف من صفات النفس المستلزم للحاجة وهو مستغن بدوامه في أبديته عمن يخلفه أو يعينه لامتناع الحاجة والفناء عليه ، فهو رد على من قال : الملائكة بنات الله أو عزير أو المسيح أو غيره .
ولما بين أنه لا فصل له ، ظهر أنه لا جنس له ، فدل عليه بقوله : ( ولم يولد ( لأنه لو تولد عنه غيره تولد هو عن غيره كما هو المعهود والمعقول ، فهو قديم لا أول له بل هو الأول الذي لم يسبقه عدم ، أن الولادة لا تكون ولا تتشخص إلا بواسطة المادة وعلاقتها ، وكل ما كان مادياً أو كان له علاقة بالمادة ، كان متولداً عن غيره فكان لا يصح أن يتولد عنه شيء لأنه لا يصح أن يكون هو متولداً عن غيره لأنه لا ماهية له ولا اعتبار لوجوده سوى أنه هو ، فهويته لذاته ، ومن كانت هويته لذاته لم يصح بوجه أن يتولد عن غيره لأنه لو تولد عن غيره لم يكن هو هو لذاته ، ولا يكون أحداً حقيقاً ولا صمداً ، فينتفي من أصله ، ولا يكون له من ذاته إلا العدم ، فلا يصح أن يتولد عنه غيره ، لأنه لم يصح أن يتولد هو عن غيره ، ومن كان كذلك لم يكن له مثل ، فلا يصح بوجه أن يساويه شيء ليصح أن يقوم مقامه فيما بين ما انتفى في الأول والآخر ، فدل على ذلك إتماماً لشرح حقيقته المعبر عنها بهو بقوله : ( ولم يكن ) أي لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ولا بتقدير من التقادير ) له ) أي خاصة ) كفواً ) أي مثلاً ومساوياً ) أحد ( على الإطلاق ، أي لا يساويه في قوة الوجود لأنه لو ساواه في ذلك لكانت مساواته باعتبار الجنس والفصل ، فيكون وجوده متولداً عن الازدواج الحاصل من الجنس الذي يكون كالأم ، والفصل الذي يكون كالأب ، وقد ثبت أنه لا يصح بوجه أن يكون في

الصفحة 591