كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 593
بموصلها ، فعلم أنه هو هو لا غيره بزيادة أنه الأحد ولا أحد حقاً غيره ، ومن تحقق آخرها أقبل بكليته إليه سبحانه ، فلم يلتفت إلى غيره لأن الكل في قبضته ، وقد نقلت في كتابي مصاعد النظر عن الإحياء للإمام الغزالي رحمة الله تعالى عليه في شيء من أسرار هذه السورة كلاماً هو في غاية النفاسة .
وروى الترمذي عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن المشركين قالوا : يا محد انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى : قل هو الله أحد إلى آخرها ، قال : لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث ، ولم يكن له كفواً أحد - انتهى .
ومن كان كذلك فهو الجامع للأسماء الحسنى والصفات العلى كلها ، وعلم أن حاصلها تنزيه المعبود عن أن يكون له مجانس ، أو يكون له مكافئ ، والرد على كل من يخالف في شيء من ذلك ، وأعظم مقاصد آل عمران المناظرة لها في رد المقطع على المطلع ، لا سيما من ادعى أن عيسى عليه الصلاة والسلام إله أو أنه ولد له سبحانه وتعالى وكذا غيره الدلالةُ على بطلان مذهب من ادعاه إلها وعلى أن عيسى عليه الصلاة والسلام عبد من عبيده أوجده على ما أراد كما أوجد من هو أغرب حالاً منه وإبطال قول من ادعى فيه غير ذلك .
ولما عرفت هذه السورة حقيقة الذات أتم تعريف ، وكان الغرض الأقصى من طلب العلوم بأسرها معرفة ذاته سبحانه وتعالى وصفاته وكيفية صدور الأفعال عنه وكان القرآن العظيم كفيلاً بجميع هذه العلوم ، وكانت هذه السورة منه قد تكفلت بجميع ما يتعلق بالبحث عن الذات على سبيل التعريض والإيماء ، وكانت معادلة لثلث القرآن وهي ثلث أيضاً باعتبار آخر وهو أن الدين اعتقاد ، وفعل لساني يترجم عن الإعتقاد ، وفعل يصحح ذلك ، وهي وافية بأمر الإعتقاد بالوحدانية الذي هو رأس الإعتقاد ، وباعتبار أن مقاصده كلها محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص ، وهذه السورة على وجازتها قد استملت على جميع المعارف الإلهية والرد على من ألحد فيها ، ولأجل أن هذا هو المقصود بالذات الذي يتبعه جميع المقاصد عدلت في بعض الأقوال بجميع القرآن ، وحاصل شرح هذه السورة العظمة أنه سبحانه وتعالى دل على الذات الأقدس بالهوية ، وعبر عنها بالضمير إشارة إلى نفي الماهية التي غلظ أو غالط فيها الكفور الأعظم فرعون - لعنة الله عليه وعلى أتباعه أهل الإلحاد ، وأنصاره وأشياعه من أهل الاتحاد ، ودل على ذلك بالاسم الأعظم المجمع عليه ودل عليه بالوحدة الجامعة للغنى ، النافية للكثرة الموجبة لحاجة ، ودل عليه بالصمدية النافية للجوفية المثبتة للسيادة الخفية ، ودل عل أول معنييها بانتفاء الولادة منه وله ، الدالان على نفي الجنس للقوم

الصفحة 593