كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 594
والفصل المقسم ، ودل على الثاني بعدم المكافئ ، ودل على هذا العدم بأفعاله العظيمة المشاهدة التي أشار قطعاص ترتيب السور بما انتهى إليه وضع هذه السورة في هذا الموضع إلى استحضارها .
وتأمل ما كان منها من تربية هذا الدين بنصر نبيه الذي أرسله ( صلى الله عليه وسلم ) لإقامته ، وسلط الكافرين - على أذاه ، وجعل أعظمهم له أذى أقربهم إليه نسباً عمه أبا لهب الذي كان يتبعه في تلك المشاهد والقبائل ، ويلزمه في تلك المواسم والمعاهد والمحافل ، يصرح بتكذيبه كلما دعى الناس إلى الحق ، ويواجه بما هو أشد الأشياء على النفس كراهة وأشق ، فكانت تلك الشهرة عين الرفة والنصرة ، لأن الشيء ، إذا خرج عن حده انقلب غلى ضده ، فإنه إذا تناهت شهرته ثم بان بطلانه أو صحته رجعت شهرته بكونه باطلاً أو صحيحاً أعظم منها لو لم يتقدمها شهرة بغير ذلك ، فانقلبت النصرة ، وعظمت الكثرة ، فجلت المعاونة ، وزالت المباينة ، وحصل الوفاق ، وزال الشقاق ، فدل هذا الفعل الأعظم من صدق الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهو وحده ، وكذب المعاندين وهم من لا يحصيهم إلا الله في كل ما قال ، وجميع ما قالوا على عزته سبحانه وتعالى بكونه نصر عبده على ذلك الوجه الخارق للعادة وعلى حكمته بما سلطهم به عليه حتى أسرعت الشهرة وعمت النصرة ، فعلم بتلك المشاهدة أنه العزيز الحكيم كما دلت عليه سورة التوحيد المناظرة لهذه في رد المقطع على المطلع ، وهي آل عمران المناظرة لهذه في الدلالة على التوحيد والمحاججة لمن ادعى ان له صاحبة وولد ، فعلم قطعاً أنه لا كفوء له ، فعلم أنه لا يصح أصلاص أن يلد ولا أن يولد ، فبطلت قطعاً دعوى إلهية عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره ممن ادعى فيه الولدية بالأحدية لما تقتضيه الولادة من المادة المقتضية للكثرة ، الموجبة للحاجة ، وعظم البيان بما دل عليه الاسم الأعظم من الإجماع بما تقتضي الإلهية ، ولا إجماع على غيره ، وجل الأمر وانقطع النزاع بما دل عليه الضمير من وجوب الوجود النافي لما سواه من كل موجود - والله الهادي ، فلقد أبانت السورة على أعظم الوجوه أن مرسله ( صلى الله عليه وسلم ) أجل موجود وأشرف حقيقة وأنفس معلوم ، وأعظمذات ، وذلك يستلزم نفي كل ما لا ينبغي ، وحصول كل ما ينبغي استلزاماً لا يقبل الانفكاك ، كالفردية في الوتر ، والزوجية في الشفع ، وتفصيل ذلك بعشرة أشياء تبسط على كلمات السورة على الترتيب : الأول أنه تعالى له الوجود الذي ما مثله فليس هو كالممكنات المسبوقة بالعدم والمنقطعة بالانعدام ، والمنصرمة في الدوام ، بل هو أزلي لا أول له أبدي لا آخر له ، قيوم لا انصرام له ، الثاني أن له السبوحية الآبية على نفع كل نقص وعيب ، الثالث أن له القدوسية المشتملة على الاتصاف بكل كمال ، من جلال وجمال وتعال ، الرابع أن له العظمة والجلالة عن أن

الصفحة 594