كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 596
ما وقع في كلمة الإخلاص ليعلم أن الإثبات لا يكمل إلا بصيانته عن كل ما يتضمن مخالفته ، لكن كلمة الإخلاص تركبت من نفي ثم إثبات ، وسورة الإخلاص من إثبات ثم نفي ، وآخر الإثبات الصمد ، فهو جامع بين الأمرين فإنه جمع كل صفة لا يتم الخلق إلا بها ( لأن أحد مدلوليه ) في اللغة : السيد الذي يرجع إليه ، فاقتضى ذلك إثبات صفات الكال التي بها يتم اتساق الأفعال ونفي كل صفة ينزه عنها ، لأن ثاني مدلوليه في اللغة : الذي لا جوف له ، وذلك يتضمن نفي النهاية ونفي الحد والجهة والجسم والجوهر ، لأن من اتصف بشيء من ذلك لم يستحل اتصافه بالتركيب ووجود الجوف ، فقررت هذه الكلمة وجوب المعرفة بالنفي والثبات ليميز بين الحق وبالطل ، لأن من لم يتحقق صفاء الباطل لم يتقرر له المعرفة بالحق ، ولذلك كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين يسألون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الحق لصحة الإعتقاد والمعرفة ، وعن الباطل والشر للتمكن من مجانبته حتى قال حذيفة رضي الله تعالى عنه ( وكان الناس سألون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ) وذلك لأن من لم يعرف الشر يوشك أن يقع فيه ، وأن ما خالفت كلمة الشهادة في الترتيب لأن تلك أتت للإدخال في الدين ، والأليق بمن كان خارجاً أو ضعيفاً - وهم الأكثر - نفي الباطل أولاً ومحوه من لوح القلب ليأتي إثبات الحق فيه وهو فرغ فيقر فيه ، فلما نفت أولاً كل غير كان سبباً للمجانبة والبعد عن حضرات القدس ، ثم أثبتت الذات الأقدس والمسمى الأشرف الأنفس ، أكدت سورة الإخلاص لأنها للكمل الذين تخلقوا بما قبلها من السور ، هذا الإثبات عند استحضاره ، وشهود الجميل من آثاره ، ثم ختمت بنفي الأغيار ، ليكون بذلك تجلى ختام الأعمار ، عند الرجوع إلى الآثار ، بالعرض على الواحد القهار ، وقد بين بهذه السورة أنه طريق بين الخلق والأمر ، فلما فتح الخلق بمتشابه خلق آدم عليه الصلاة والسلام لأن المتشابه ما خرج عن أشكاله ، وختمت أقسامه الأربعة بمتشابه خلق عيسى عليه الصلاة والسلام - كما تقدم عند
77 ( ) إن الله اصطفى ( ) 7
[ آل عمران : 33 ] في آل عمران المناظرة لهذه السورة ، لذلك فتح الأمر بعد أم الكتاب بمتشابهاً من جميع وجوهه ، لا يمكن أحداً أن يقول فيه قولاً مقطوعاً به أو مظنوناً ظناً راجحاً ، ومتشابه آخره لا يقنع فيه بدون القطع في أوله فيما كلفنا أمره في هذه الدار وهو أوصل الدين ، ووراء ذلك ما لا يدركه أحد من الأبرار ولا المقربين ،

الصفحة 596