كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 597
وهو الذات الأقدس ، فمن رجع متشابه الخلق فوق منزلته كفر ، ومن وضع متشابه الأمر عن رتبته العلية كفر ، وجعل آخره أجلى من أوله من بعض الوجوه إشارة إلى ترقية الموفق في أمره ، وأنه في الآخرة يكون أجلى انكشافاً وأوضح معرفة ، وتلاه بالتعوذ إشارة إلى سؤال الاعتصام في شأنه ، والحفظ التام في مضمار عرفانه ، وكرر بالتثنية لأجل الإحاطة بأمري الظاهر والباطن ، والتأكيد تنبيهاً على صعوبة المرام ، وخطر المقام .
ولما افتتح القرآن بسورة مشتملة على جميع معانيه ، ختم بسورتين يدخل معناهما ، وهو التعوذ ، ويندب ذكره ي جميع أجزائه ومبانيه ، وفي ذلك لطيفة أخرى عظيمة جداً ، وهي أنه لما علم بالإخلاص تمام العلم وظهور الدين على هذا الوجه الأعظم ، فحصل بذلك غاية السرور ، وكان التمام في هذه الدار مؤذناً بالنقصان ، جاءت المعوذتان لدفع شر ذلك ، وقد انقضى الكلام على ما يسره الله تعالى من كنوز معاني سورة الإخلاص بحسب التركيب والنظم والترتيب ، وبيقي الكلام على ما فتح الله به من أسرارها في الدلالة على مقصود السورة بالنظر إلى كلماتها مفردة ظواهر وضمائر ثم حروفها ، ففيها من الأسماء الحسنى والصفات العلى ، التي أسس عليها بنيانها ، وانبنت عليها أركانها ، خمسة هي العشر من كلمات آية الكرسي كما ان الصلوات المكتوبات خمس وهي خمسون في أم الكتاب ( الحسنة بعشر أمثالها ) فمن لطائف إشاراتها أنها كدعائم الدين الخمس ، فالضمير مشير إلى تصحيح ضمير القلب بالإيمان ، وصحة القصد والإذعان ، حتى يقوم بناء العبادة ، والاسم الأعظم إشارة إلى أن ذلك التصحيح لأجل التأله بالخضوع للإله الحق باستحضار اسمه الأعظم كما أن الصلاة أعمظم عبادات البدن ، هذا للتهيئة في الدخول في العبادة ، ثم إن الدخول فيها شرطه أحدية التوجه تحقيقاً للصدق في صحة العزم عليها كما أن الزكاة تكون مصدقة للإيمان ، وذلك التوحيد في التوحيد يكون لأجل الصدق في التأليه بما يشير إليه إعادة الاسم الأعظم كما هو شأن الحاج الأشعث الأغبر المتجرد ، ويكون ذلك التأله باستحضار افتقار العابد إلى المعبود وتداعيه إلى الهلاك بكل اعتبار لأنه أجوف ، وغنى المعبود على الإطلاق بما يشير إليه الاسم الإضافي الصمد كما هو شأن الصائم في عبادته ، واستحضاره لحقارته وشدة حاجته ، ولجلالة مولاه ، وتعاليه في غناه ، فمن صحت له هذه الدعائم الخمس كانت عبادته في الذروة العليا من القبول ، وإلا كان لها اسم الحصول من غير كثير محصول - والله الموفق ، وكونها خمسة عشرة كلمة إشارة إلى أنهم في السنة الخامسة عشرة من النبوة يعلمون - بغلبة قهره وسطوة سلطانه وتأييده للمستضعفين من حزبه ،

الصفحة 597