كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 598
وتقويته لهم في وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة - أن مرسله لا كفوء له بعلم شهودي لا يقدر أحد على تكذيبه ودفعه ، فيقوم به دليل الإخلاص ، ولات حين مناص ، وإذا ضممت إليها الضمير الواجب الاستتار في ) قل ( كانت ست عشرة إشارة إلى أنه في السنة السادسة عشرة من النبوة وهي الثالثة من الهجرة في غزوة أحد يكون الظاهر فيها اسمه تعالى الباطن ، فإنه كان فيها من المصيبة ما هو مذكرو في السير تفصيله من قتل سبعين من الصحابه رضي الله تعالى عنهم منهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه عم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأسد رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك بعد أن ظهر فيها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في أول النهار ، ظهوراً بيناً حتى كانت هزيمة الكفار ، لا شك فيها - كما قال الله تعالى
77 ( ) ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم ( ) 7
[ آل عمران : 152 ] - الآيات ، ثم أخفى الله ذلك في إزالة الكفار في أثناء النهار ، فهزم الصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى لم يبق مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهم إلا نفر يسير جداً أكثر ما ورد في عددهم أنهم يقاربون الأربعين وهو ثابت بهم - ( صلى الله عليه وسلم ) - في نحر العدو وهم نحو من ثلاثة آلاف فيهم مائتا فارس يحاولهم ويصاولهم يشتملون عليه مرة ويفترقون عنه أخرى ليعلم أن الناصر إنما هو الله سبحانه وتعالى وحده ، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما نصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في موطن من المواطن ما نصر في غزوة أحد ، وقال أبو سفيان ابن حرب يوم إسلامه في عام الفتح للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ما قاتلتك من مرة إلا ظهرت عليّ ، أظن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً .
ولكن الذي ظهر منها ما كان في آخر النهار من ظهور الكفار ، فأخلى الله تعالى نصره لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فيها باسمه الباطن إلا على أرباب البصائر ، فما علم ذلك إلا بوجه خفي جداً مناسبة للضمير الباطن الواجب الاستتار ، وإذا ضممت إلى ذلك الضميرين المستترين الجائزي الظهور ، فكانت الكلمات بذلك ثماني عشرة ، كان إشارة إلى أن في السنة الثامنة عشرة من النبوة - وهي الخامسة من الهجرة دلالة عظيمة على أنه لا كفوء له يوجب الإخلاص على وجه هو أجلى مما كان في غزوة أحد وإن كان فيه نوع خفاء ، وذلك في غزوة الأحزاب وبني قريظة حين رد الله الكفار بغيظهم لم ينالوا خيراً بعد أن كانوا في عشرة آلاف مقاتل غير بني قريظة ، يقولون : إنه لا غالب لهم ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قوياً عزيزاً قاهراً لهم بريح وجنود لم يروها ، وأمكن من بني قريظة ، وكان الله قوياً عزيزاً ، وذلك في شوال وذي القعدة سنة خمسة من الهجرة ، فإذا ضممت إليها الضمير الآخر البارز بالفعل في ( له ) فكانت تسع عشرة ، كانت إشارة إلى مثل ذلك على وجه أجلى في عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة ، فإنه كان فيها الفتح السببي الذي أنزل الله سبحانه

الصفحة 598