كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 599
وتعالى فيه سورة الفتح ، وكان فيها من لدلائل الوحدانية أمور كثيرة توجب الإخلاص ، وإن كان في ذلك نوع خفاء مناسب للضمير وإن كان بارزاً بالفعل ، فقد خفي على كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين حتى نبههم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإذا ضممت إليها كلمات البسملة الأربع كانت ثلاثاً وعشرين توازي السنة العاشرة من الهجرة ، وهي الثالثة والعشرون من النبوة ، وفيها كان استقرار الفتح الأكبر والإخلاص الأعظم بنفي الشرك وأهله من جزيرة العرب لحجة الوداع التي قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيها : ( إن الشيطان - قد أيس أن يعبد في أرض العرب ) ولذلك توفى الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) عقبها بعد إظهار الدين وإذلال الكافرين وإتمام النعمة ، وقام سبحانه بنصر الأمة وحده بعد أن مهد أسباب النصر بنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) حتى علم قطعاً في الردة وأحوالها ، أنه الإله وحده الذي لا كفوء له لحفظ الدين في حياة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وبعده ، وكذا فيما بعد ذلك من فتوح البلاد ، وإذلال الملوك العتاة الشداد ، مع ما لهم من الكثرة والقوة بالأموال والأجناد ، والتمكن العظيم في البلاد ، وجعل النصر عليهم بأهل الضعف والقلة آية في آية ، ودلالة بالغة في ظهروها الغاية ، وإذا سلكت طريقاً آخر في الترتيب في الكلمات الخطية والاصطلاحية دلّك على مثل ذلك بطريق آخر ، وذلك أن تضم إلى الكمات الخمس عشرة كلمات البسملة الأربع لتكون تسع عشرة فنوازي سنة ست من الهجرة ، وذلك سنة عمرة الحديبية التي سماها الله تعالى فتحاً ، وأنزل فيها سورة الفتح لكونها كانت سبب الفتح الذي هو عمود الإخلاص ، فإذا ضممت إليها الضمير المستتر كانت عشرين ، فوازت سنه سبع التي كانت فيها عمرة القضاء ، فأظهر الله فيها الإخلاص على عبده ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أظهر المشركين في البلد الذي كان بعثه منه وفيه على وجه ظهر فيه أنه لا كفوء له ، ولكن كان ذلك بوجه خفي ، فإذا ضممت إليها الضميرين المستترين الجائزي البروز كات اثنتين وعشرين موازية لسنة تسع سنة الوفود ودخول الناس في دين الله أفواجاً ، فالإلهية من حيث هي تقتضي الوحدة ، والوحدة لا تقتضي الإلهية ، وعبر به دون الواحد لأن المراد الإبلاغ في الوصف بالوحدة إلى حد لا يكون شيء أشد منه ، والواحد - قال ابن سينا - مقول على ما تحته من التشكيك ، والذي لا ينقسم بوجه أصلاً أولى بالوحدانية مما ينقسم من بعض الوجوه ، والذي ينقسم انقساماً عقلياً أولى مما ينقسم بالحسن ، والذي

الصفحة 599