كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 600
ينقسم بالحس وهو بالقوة أولى من المنقسم بالحس بالفعل ، وإذا ثبت أن الوحدة قابلة للأشد والأضعف وأن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك كان الأكمل في الفعل الذي لا يمكن أن يكون شيء آخر أقوى منه فيها وإلا لم يكن بالغاً أقصى المرام ، والأحد جامع لذلك دال عل الواحدية من جميع الوجوه ، وأنه لا كثرة هناك أصلاً ، لا معنية من المقولات من الأجناس والفصول ولا بالأجزاء العقلية كالمادة والصورة ، ولا حسية بقوة ولا فعل كما في الأجسام ، وذلك لكونه سبحانه وتعالى منزهاً عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكار والألوان وسائر الوجوه وجوه التشبيه التي تثلم الوحدة الكاملة الحقة اللائقة بكرم وجهه وعز جلاله أن يشبه شيء أو يساويه شيء لأن كل ما كانت هويته أن تحصل من اجتماع آخر كانت هويته موقوفة على تلك الأجزاء فلا يكون هو هو لذاته بل لغيره ، فلذا كان منزهاً عن الكثرة بكل اعتبار ومتصفاً بالوحد من كل الوجوه ، فقد بلغ هذا النظم من البيان أعظم شأن ، فسبحان من أنزل هذا الكلام ما أعظم شأنه وأقهر سلطانه فهو منتهى الحاجات ، ومن عنده نيل الطلبات ، ولا يبلغ أدنى ما استأثره من الجلال والعظمة والبهجة أقصى نعوت الناعتين ، وأعظم وصف الواصفين ، بل القدر الممكن منه الممتنع أزيد منه هو الذي ذكره في كتابه العزيز ، وأودعه وحيه المقدس الحكيم ، وبالكلام على معناه والمعنى الوااحد تحقق ما تقدم ، قال الإمام أبو العباس الاقليشي في شرح الأسماء الحسنى ، فمن أهل اللسان من ساوى بينهما جعلها مترادفين ، ومنهم من قال : أصل ( أحد ) واحد ، أسقطت منه الألف ، ثم أبدلت الهمة من الواو المفتوحة مثل حسن يحسن فهو حسن - من الحسن ، أبدلت الواو همزة ، وأما من فرق بينهما فمنهم من قال : ( أحد ) على حياله ، لا إبدال فيه ولا تغيير ، ومنهم من قال : أصله وحد - أبدلت الواو همزة - انتهى .
وقد استخلصت الكلام على الاسمين الشريفين من عدة شروع للأسماء الحسنى وغيرها ، منها شرح الفخر الرازي والفخر الحرالي وغيرهما - قالوا : الواحد الذي لا كثرة فيه بوجه لا بقسمة ولا بغيرها مع اتصافه بالعظمة ليخرج الجوهر الفرج وهو الذي لا يتثنى ، أي لا ضد له ولا شبيه ، فهو سبحانه وتعالى واحد بالمعنيين على الإطلاق لا بالنظر إلى حال ولا شيء ، قال الإمام أبو العباس الاقليشي في شرح الأسماء الحسنى : هذه حقيقة الوحدة عند المحققين فلا يصح أن يوصف شيء مركب بها إلا مجازاً كما تقول : رجل واحد ودرهم واحد ، وإنما يوصف بها حقيقة ما حراك له كالجوهر عند الأشعرية غير أنك إذا نظرت فوجدت وجوده من غيره علمت أن استحقاقه لهذا الوصف ليس كاستحقاق موجده له ، وهو أيضاً إنما يوصف به لحقارته ، وموجده سبحانه وتعالى

الصفحة 600