كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 601
موصوف به مع اتصافه بالعظمة ، فاتصافه بالوحدة على الإطلاق ، والاتصاف بالجوهر بالنظر إلى عدم التركيب من الجسم مع صحة اتصافه بأنه جزء يزل عنه حقيقة ذلك ، والوحدة أيضاً بالنظر غلى المعنى الثاني - وهو ما نظر له - لا تصح بالحقيقة إلا له سبحانه وتعالى ، وكل ما نوعيته في شخصيته كالعرش والكرسي والشمس والقمر يصح أن يقدر لها نظائر ، ولها معنى ثالث وهو التوحيد بالفعل والإيجاد ، فيفعل كل ما يريد من غير توقف على شيء ، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الأول ناظر إلى نفي إله ثان ، وهذا ناف لمعين ووزير ، وكلاهما وصف ذاتي سلبي ، والحاصل أن النظر الصحيح دل على أن لنا موجداً واحداً بمعنى أنه لا يصح أن يلحقه نقص لقسمته بوجه من الوجوه ، وبمعنى أنه معدوم النظير بكل اعتبار ، ومعنى أنه مستبد بالفعل مستقل بالإيجاد ومتوحد بالصنع منفرد بالتدبير ، قضى بهذا شاهد القعل المعصوم من ظلمة الهوى وكثافة الطبع ، وورد به قواطع النقل ونواطق السمع ، ولهذا كان من أعظم الخلق دعاؤه سبحانه وتعالى لجميع الخلق ، وكانت دعوة رسوله الخاتم ( صلى الله عليه وسلم ) للخلق كافة ، وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في ىخر شرحه للأسماء الحسنى في شرحه في بيان رد الأسماء الكثيرة إلى ذات الواحد وسبع صفات الأحد المسلوب عنه النظير ، وقال في الشرح المذكور : الواحد هو الذي لا يتجزى ولا يتثنى ، أما الذي لا يتجزى فكالجوهر الذي لا ينقسم فيقال عنه : إنه واحد - بمعنى أنه لا جزء له ، وكذلك النقطة لا جزء لها ، والله تعالى واحد بمعنى لأنه يستحيل تقدير الانقسام في ذاته ، وأما الذي لا يتثنى فهو الذي لا نظير له كالشمس مثلاً فإنها - وإن كانت قابلة للانقسام بالوهم - متحيزة في ذاتها لأنها من قبيل الأجسام فهي لا نظير لها إلا أنه يمكن لها نظير ، وليس في الوجود موجود يتفرد بخصوص وجوده تفرداً لا يتصور أن يشاركه فيه غيره أصلاً إلا الواحد المطلق أزلاً وأبداً ، والعبد إنما يكون واحداً إذا لم يكن له في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير ، وذلك بالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع ، فلا وحدة على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى ، وقال محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في مقدمة كتاب الملل والنحل : واختلفوا في الواحد أهو من العدم أم مبدأ العدد وليس داخلاً في العدد ، وهذا الاختلاف إنما ينشأ من اشتراط لفظ الواحد أيضاً ، فالواحد يطلق به ويراد به ما يتركب منه العدد ، فإن الاثنين لا معنى له إلا واحد تكرر أول تكرير وكذا الثلاثة والأربعة ، ويطلق ويراد به ما يحصل منه العدد الذي هو علة ، ولا يدخل في العدد الذي لا يتركب منه العدد ، وقد يلازم الواحدية جميع الأعداد لا على أن العدد يتركب بها بل وكل موجود فهو جنسه أو نوعه أو شخصه واحد ، يقال : إنسان واحد ، وفي العدد أنه لا

الصفحة 601