كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 607
على مدافعته في الأغلب إلا من عصم الله تعالى ، وقد علم بكون الحسد علة السحر - الموقع في القتل الذي هو أعظم المعاصي بعد الشرك وفي الشرك ، لأنه لا يصح غاية الصحة إلا مع الشرك - أن الحسد شر ما انفق عنه ظلام العدم ، والشاهد لذلك غلبته على الأمم السالفة وتحذير الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس منه بشهادة هاديها ( صلى الله عليه وسلم ) ، أخرج الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء ألا والبغضاء هي الحالقة ، لا أقول : إنها تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) وفي الباب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن مسعود رضي الله عنه ، وأعظم أسبباب الحالقة أو كلها الحسد ، فعلم بهذا رجوع آخر السورة على أولها ، وانعطاف مفصلها على موصلها ، ومن أعيذ من هذه المذكورات انفلق سماء قلبه عن شمس المعرفة بعد ظلام ليل الجهل ، فأشرقت أرجاؤه بأنوار الحكم ، إلى أن يضيق الوصف له عن بدائع الكشف :
هناك ترى ما يملأ العين قرة ويسلي عن الأوطان كل غريب
فينقطع التعلق عما سوى الله بمحض الاتباع والبعد عن الابتداع بمقتضى
77 ( ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ( ) 7
[ آل عمران : 31 ] وقد بطل بالأمر بالاستعاذة قول الجبرية : إنا كالآلة لا فعل لنا أصلاً ، وإنما نحن كالحجر لا يتحرك إلا بمحرك ، لأنه لو كان هو المحرك لنا بغير اختيار لم يكن للأمر فائدة ، وقول القدرية : إنا نخلق أفعالنا ، وقول الفلاسفة : إنه - إذا وجد السبب والمسبب حصل التأثير من غير احتياج إلى ربط إلهي كالنار والحطب ، لأنه لو كان ذلك لكانت هذه الأفعال المسببات إذا وجدت من فاعليها الذين هم الأسباب ، أو الأفعال التي هي الأسباب ، والمسببات التي هي الأبدان المراد تأثيرها أثرت ولم تنفع الاستعاذة ، والشاهد خلافه ، وثبت قول الأشاعرة أهل السنة والجماعة أنه إذا وجد السبب والمسبب توقف وجود الأثر على إيجاد الله تعالى ، فإن أنفذ السبب وجد الأثر ، وإن لم ينفذه لم يوجد ، والسورتان معلمتان بأن البلايا كثيرة وهو قادر على دفعها ، فهما حاملتان على الخوف والرجاء ، وذلك هو لباب العبودية ، وسبب نزول المعوذتين على ما نقل الواحدي عن المفسرين رحمة الله عليهم أجميعن والبغوي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذه مشاطة رأس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها ، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي ، فمرض رسول الله

الصفحة 607