كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 610
السحر من أعظم ما أثر في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من كيدهم حتى أنزل فيه المعوذتان ، وكان الساحر له منهم ، وقد انقضى ما يسر الله من الكلام على انتظام معانيها بحسب تركيب كلماتها ، وبقي الكلام على كلماتها من حيث العدد ، فيما تشير إليه من البركات والمدد ، هي ثلاث وعشرون كلمة إشارة إلى أنه ( صلى الله عليه وسلم ) في السنة الثالثة والعشرين من النبوة يأمر من أذى حاسديه ، وذلك بالوفاة عند تمام الدين ويأس الحاسدين من كل شيء من الأذى في الدين والدنيا ، وخلاص النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من كل كدر ، فإذا ضممت إليها لاضمائر وهي خمسة كانت ثماني وعشرين ، وهي توازي سنة خمس عشرة من الهجرة ، وذلك عند استحكام أمر عمر رضي الله عنه في السنة الثانية من خلافته ببث العساكر وإنفاذه إلى ملك الفرس والروم وتغلغل بغلبهم على ماهان أعظم رؤسائهم ، فاضحمل أمر المنافقين والحاسدين ، وأيسوا من تأثير أدنى كيد من أحد من الكائدين ، فإذا ضم إليها أربع كلمات البسملة كانت اثنتين وثلاثين ، إذا حسبت من أول النبوة وازتها السنة التاسعة عشرة من الهجرة ، وفيها كان فتح قيسارية الروم من بلاد الشام ، وبفتحها كان فتح جميع بلاد الشام ، لم يبق بها بلد إلا وهي في أيدي المسلمين ، فزالت عنها دولة الروم ، وفيها أيضاً كان فتح جولاء من بلاد فاررس وكان فتحاً عظيماً جداً هدّ أجنادهم وملوكهم ، ولذلك سمي فتح الفتوح ، وحصل حينئذ أعظم الخزي للفرس والروم الذين هم أحسد الحسدة ، لما كان لهم من العزة والقوة بالأموال والرجال ، وإن حسبت من الهجرة وازتها سنة انقراض ملك أعظم الحسدة الأكسارة الذي شقق ملكهم كتاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأرسل إلى عامله باذان - الذي كان استخلفه على بلاد اليمن - يأمره أن يغزو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بأنه يقتله سبحانه في ليلة سماها ، فلما أتت تلك الليلة أخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رسل باذآن بذلك ، فرجعوا إلى باذآن فأخبره فقال : إن كان صادقاً فسيأتي الخبر في يوم كذا ، فأتى الخبر في ذلك اليوم بصدقه ( صلى الله عليه وسلم ) فأسلم باذان ومن معه من الأبناء الذين كانوا في بلاد اليمن لم يتخلف منهم أحد ، وأوفد منهم وفداً على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك ، وتولى الله ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) - رضي الله عنهم والله أعلم .
.. .

الصفحة 610