كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 612
إلى ظلم النفس ولكنها في المصائب أظهر ، وختمت بالحسد فعلم أنه أضر المصائب ، وكان أصل ما بين الجن والإنس من العداوة الحسد ، جاءت سورة الناس متضمنة للاستعاذة من شر خاص ، وهو الوسواس ، وهو أخص من مطلق الحاسد ، ويرجع إلى المعايب الداخلة اللاحقة للنفوس البشرية التي أصلها كلها الوسوسة ، وهي سبب الذنوب والمعاصي كلها ، وهي من الجن أمكن وأضر ، والشر كله يرجع إلى المصائب والمعايب ، فقد تضمنت السورة كالفلق استعاذة ومستعاذاً به ومستعاذاً منه وأمراً بإيجاد ذلك ، فالأمر : ( قل ( والاسعتاذة ) أعوذ ( والمستعاذ به هو الله سبحانه وتعالى ، لكن لما كانت صفة الربوبية من صفات كماله سبحان أليق بالحماية والإعانة والرعاية والخلق والتدبير والتربية والإصلاح ، المتضمن للقدرة التامة والرحمة الواسعة ، والإحسان الشامل والتدبير والتربية والإصلاح ، والمتضمن للقدرة التامة والرحمة الواسعة ، والإحسان الشامل والعلم الكامل ، قال تعالى : ( برب الناس ) أي أعتصم به أي أسأله أن يكون عاصماً لي من العدو أن يوقعني في المهالك ، قال الملوي : والرب من له ملك الرق وجلب الخيرات من السماء والأرض وإبقاؤها ، ودفع الشرور ورفعها ، والنقل من النقص إلى الكمال ، والتدبير العام العائد بالحفظ والتتميم على المربوب ، وخص الإضافة بالمزلزلين المضطربين في الأبدان والأديان من الإنس والجان لخصوص المستعاذ منه ، وهو الأضرار التي تعرض للنفوس العاقلة وتخصها ، بخلاف ما في الفلق فإنه المضار البدنية التي تعم الإنسان وغيره .
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : وجه تأخرها عن شقيقتها عموم الأولى وخصوص الثانية ، ألا ترى عموم قوله ) من شر ما خلق ( وإبهام ) ما ( وتنكير ) غاسق ( و ) حاسد ( والعهد فيها استعيذ من شره في سورة الناس وتعريفه ونعته ، فبدأ بالمعموم ثم أتبع بالخصوص ليكون أبلغ في تحصيل ما قصدت الاستعاذة منه ، وأوفى بالمقصود ، ونظير هذا في تقديم المعنى الأعم ثم إتباعه بالأخص بتناول الدقائق والجلائل قوله سبحانه وتعالى ) بسم الله الرحمن الرحيم ( في معنى الرحمن ومعنى الرحيم واحد لا في عموم الصفة الأولى وكونها للمبالغة ، وقد تعرض لبيان ذلك المفسرون ولذلك نظائر - انتهى .
ولما كان الرب الملك متقاربين في المفهوم ، وكان الرب أقرب في المفهوم إلى اللطف والتربية ، وكان الملك للقهر والاستيلاء وإظهار العدل ألزم ، وكان الرب قد لا يكون ملكاً فلا يكون كامل التصرف ، اقتضت البلاغة تقديم الأول وإتباعه الثاني ، فقال تعالى : ( ملك الناس ( إشارة إلى أن له كمال التصرف ونفوذ القدرة وتمام السلطان ، وإليه المفزع وهو المستعان ، والمستغاث والملجأ والمعاد .

الصفحة 612