كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 615
حتى يشاكله في رذيلة الطبع وظلمة النفس ، فينشأ من ذلك شرور لازمة ومتعدية أضرها الكبر والإعجاب اللذان أهلكا الشيطان ، فيوقع الإنسان بها فيما أوقع نفسه فيه ، وينشأ من الكبر الحقد والحسد يترشح منه بطر الحق - وهو عدم قبوله ، ومنه الكفر والفسوق والعصيان ، وغمص الناس - وهو احتقارهم المعلوم من قول الشيطان
77 ( ) أنا خير منه ( ) 7
[ الأعراف : 12 ] ومنه تنشأ الاستهانة بأولياء الله تعالى بترك احترامهم ومنع حقوقهم والاعتداء عليهم والظلم لهم ، وترشح من الحقد الذي هو العداوة العظيمة إمساك الخير والإحسان وبسط اللسان واليد بكل سوء وإيذاء ، ويترشح من الحسد إفساد ذات البين كما يشير إليه
77 ( ) ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة ( ) 7
[ الأعراف : 20 ] الآية والكذب والمخادعة كما عرف به
77 ( ) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور ( ) 7
[ الأعراف : 21 ] ويترشح عن الإعجاب التسخط للقضاء والقدر كما آذن به
77 ( ) قال أأسجد لمن خلقت طيناً ( ) 7
[ الإسراء : 61 ] ومقابلة الأمر بالعلم بما أشعر به
77 ( ) لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال ( ) 7
[ الحجر : 33 ] ، واستعمال القياس في مقابلة النص بما هدى إليه
77 ( ) أنا خير منه ( ) 7
[ الأعراف : 12 ] الآية ، واستعمال التحسين والتقبيح بما أفهمه ) لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ( والإذلال وهو الجرأة على المخالفات فينشأ عن ذلك شرور متعدية ، وهي السعي في إفساد العقائد والأخلاق والأعمال والأبدان والأرزاق ، ثم لا يزال يتحبب إلى الإنسان بما يميل إليه طبعه من هذه الخبائث وهو يوافقه فيها حتى يصير له أخلاقاً راسخة ، فيصير رديء الطبع فلا ينفع فيه العلاج ، بل لا يزيده إلا خبثاً كإبليس ، ومن كان أصله طيباً واكتسب ما يخالفه بسبب عارض كان ممكن الإزالة كالعلاج كما وقع لآدم عليه الصلاة والسلام .
ولما كان الملك الأعظم سبحانه لم ينزل داء إلا أنزل له دواء ، وكان قد جعل دواء الوسوسة ذكره سبحانه وتعالى ، فإنه يطرد الشيطان وينير القلب ويصفيه ، وصف سبحانه وتعالى فعل الموسوس عند استعمال الدواء إعلاماً بأنه شديد العداوة للإنسان ليشتد حذره منه وبعده عنه فقال : ( الخناس ) أي الذي عادته أن يخنس أي يتوارى ويتأخر ويختفي بعد ظهوره مرة بعد مرة ، كلما كان الذكر خنس ، وكلما بطل عاد إلى وسواسه ، فالذكر له كالمقامع التي تقمع المفسد ، فهو شديد النفور منه ، ولهذا يكون شيطان المؤمن هزيلاً كما ورد عن بعض السلف أن المؤمن ينفي شيطانه كما ينفي الرجل بعيره في السقر ، قال البغوي : له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان ، ويقال : رأسه كرأس الحية واضع رأسه على يمين القلب يحدثه ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا لم يذكر الله رجع ووضع رأسه - خزاه الله تعالى .

الصفحة 615