كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 618
سمعه الذي يسمع ، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وينبغي أنه كلما زاده سبحانه وتعالى تقريباً ازداد له عبادة حتى ينفك من مكر الشيطان بالموت كما قال تعالى لأقرب خلقه إليه محمد ( صلى الله عليه وسلم )
77 ( ) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ( ) 7
[ الحجر : 99 ] ومن نقص من الأعمال شيئاً اعتماداً على أنه وصل فقد تزندق ، وكان مثله مثل شخص في بيت مظلم أسرج فيه سراجاً فأضاء ، فقال : ما أوقدت السراج إلا ليضيء البيت فقد أضاء ، فلا حاجة لي الآن إلى السراج ، فأطفأه فعاد الظلام كما كان ، وقد ندب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى افتتاح القرآن بعد ختمه كما أشار إليه اتصال المعنى بما بينته ، وسمي ذلك الحال المرتحل ، وكأن القارئ ذكر بالأمر بالاستعاذة إرادة افتتاح قراءته ، فكأنه قيل : استعذ يا من ختم القرآن العظيم لتفتتحه ، وكأنه لما استعاذ بما أمر به في هذه السورة قيل له : ثم ماذا تفعل ؟ فقال : أفتتح بسم الله الرحمن الرحيم الذي تجب مراقبته عند خواتم الأمور وفواتحها ، لأنه لا يكون أمر إلا به ، أو أن البسملة مقول في ) قل ( على سبيل من ) أعوذ ( أو من ) برب الناس ( وكأنه أمر بالتعوذ ، والتسمية أمر بالدفع والجلب ، وذلك لأنه لما أمر بهذا التعوذ - وكان قد قال سبحانه
77 ( ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( ) 7
[ النحل : 98 ] علم أن المراد ابتداؤه بالقرآن فنسبتها إلى الفاتحة نسبة المعلول إلى علته ، فكأنه يل : استعذ بهذا الرب الأعظم الذي لا ملك ولا إليه غيره لأن له الحمد ، وهو الإحاطة بكل شيء ، فهو القادر على كل شيء ، فهو القاهر لكل شيء في المعاد وهو الملجأ والمفزغ لا إله إلا هو ، فإن الاسم هو الوصف والمراد به الجنس ، فمعنى بسم الله أي بوصفه أو بأوصافه الحسنى ، والحمد هو الثناء بالوصف الجميل ، فكأنه قيل : أعوذ برب الناس بأوصافه الحسنى لأن له الحمد وهو جميع الأوصاف الحسنى فإن البدءل فيه يحتاج إلى قدرة ، فله القدرة التامة ، أو إلى علم فالعلم صفته ، أو كرم فكذلك ، والحاصل أنه كأنه قيل : تعوذ به من الشيطان بما له من الاسم الذي لم يسامه فيه أحد لكونه جامعاً لجميع الأسماء الحسنى أي الصفات التي لا يشوبها نقص خصوصاً صفة الرحمة العامة التي شملتني أكنافها ، وأقامني إسعافها ، ثم الرحمة الخاصة التي أنا أجدر الناس باستمطارها لما عندي من النقص المانع لي منها والمبعد لمن اتبع الحظوظ عنها ، فأسأله أن يجعلني من أهلها ، ويحملني في الدارين بوصلها ، لأكون من أهل رضاه ، فلا أعبد إلا إياه ، ولك أن تقرر الاتصال والالتحام بوجه آخر ظاهر الكمال بديع النظام فتقول : لما قرب التقاء نهاية الدائرة السورية آخرها بأولها ومفصلها بموصلها اشتد تشاكل الرأسين ، فكانت هذه السور الثلاثة الأخيرة

الصفحة 618