كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 70
لصلاح هذا العالم يهلك كل حيوان ونبات على وجه الأرض ، والشهاب المرجوم به منفصل من نار الكواكب وهو قار في فلكه على حالة كقبس النار يؤخذ منها وهي باقية على حالها لا نقص ، وذلك مسوغ لتسميتها بالرجوم ، فمن لحقه الشهاب منهم قتله أو ضعضع أمره وخبله ، ويحتمل مع ذلك أن يكون المراد : ظنوناً لشياطين الإنس وهم المنجمون يتكلمون بها رجماً بالغيب في أشياء هي من عظيم الابتلاء ليتبين الموقن من المزلزل والعالم من الجاهل ؛ وفي البخاري : قال قتادة : ( خلقت النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوماً للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف بما لا علم له به ) ولما كان التقدير : ورجمناهم بها بالفعل عند استراقهم للسمع إبعاداً لهم عن مسكن المكرمين ومحل النزاهة والأنس ومهبط القضاء والتقدير ، ونكالاً لغيرهم من أمثالهم عذاباً لهم في الدنيا ، عطف عليه قوله ترهيباً من جلاله بعد ما رغب في عظيم جماله : ( وأعتدنا ) أي هيأنا في الآخرة مع هذا الذي في الدنيا بما لنا من العظمة ) لهم ) أي الشياطين الذين يسترقون السمع ) عذاب السعير - ) أي النار التي هي في غاية الاتقاد ، ففي الآية بشارة أهل السمع والبصرو العقل وفيها من التنبيه ما لا يخفى .
ولما أخبر سبحانه عن تهيئته العذاب لهم بالخصوص ، أخبر أيضاً عن تهيئته لكل عامل بأعمالهم على وجه اندرجوا هم فيه فقال حاثاً على التكفر في عظيم انتقامه الخارج عن العادة في عدم الانطفاء ، ولا للمعذب من الخلاص منها مسلك ولا رجاء بل كلما طال الزمان تلقته بالشدة والامتداد ، بئس الجامعة للمذام في كل انتقام مع الإهانة والاحتقار ) وللذين كفروا ) أي أوقعوا التغطية لما من حقه أن يظهر ويشهر من الإذعان للإله ، فقال صارفاً القول عن مقام العظمة إلى صفة الإحسان الخاصة بالتربية تنبيهاً على ما في إنكاره من عظيم الكفران : ( بربهم ) أي الذي تفرد بإيجادهم والإحسان إليهم فأنكروا إيجاده لهم بعد الموت وذلك كفراً منهم بما شاهدوا من اختراعه لهم من العدم ) عذاب جهنم ) أي الدركة النارية التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة والغضب .
ولما كان التقدير : هي مصيرهم ، قال دالاً على عدم خلاصهم منها أصلاً أزلاً وأبداً : ( وبئس المصير ) أي هي .
ولما عبر عن ذمها بمجمع المذام ، أتبعه الوصف لبعض تجهمها على وجه التعليل ، فقال دالاً بالإلقاء على خساستهم وحقارتهم معبراً بأداة التحقيق دالالة على أنه