كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 72
ولما ذكر سبحانه حالها ، أتبعه حالهم في تعذيب القلب باعتقادهم أنهم ظلمة على وجه ، بين السبب في عذابهم زجراً عنه فقال : ( كلما ( ولما كان المنكىئ مجرد الإلقاء بني للمفعول دلالة على ذلك وعلى حقارتهم بسهولة إلقائهم قوله : ( إلقي فيها ) أي جهنم بدفع الزبانية بهم الذين هم أغيظ عليهم من النار ) فوج ) أي جماعة هم في غاية الإسراع موجفين مضطربي الأجواف من شدة السوق ) سألهم ) أي ذلك الفوج ) خزنتها ) أي النار سؤال توبيخ وتقريع وإرجاف .
ولما كان كأنه قيل : ما كان سؤالهم ؟ قال : قالوا موبخين لهم مبكتين محتجين عليهم في استحقاقهم العذاب زيادة في عذابهم بتعذيب أرواحهم بعد تعذيب أشاحهم : ( ألم يأتكم ) أي في الدنيا ) نذير ) أي يخوفكم هذا العقار ويذكركم بما حل بكم وبما حل ممن قبلكم من المثلاث ، لتكذيبهم بالآيات ، ويقرأ عليكم الكتب المنزلات ) قالوا بلى ( ولما طابق هذا الجواب فتوقع السامع إيضاحه .
افصحوا بما أفهمه وشرحوه تأسفاً على أنفسهم مما حل بهم وتحسراً فقالوا : ( قد جاءنا ( وأظهروا موضع الإضمار تأكيداً وتنصيصاً فقالوا : ( نذير ) أي مخوف بليغ التحذير ) فكذبنا ) أي فتسبب عن مجيئه أننا أوقعنا التكذيب بكل ما قاله النذير ) وقلنا ) أي زيادة في التكذيب والنكاية له والعناد الذي حل شؤمه بنا : ( ما نزل الله ) أي الذي له الكمال كله عليكم ولا على غيركم ، ولعل التعبير بالتفعيل إشارة إلى إنكارهم الفعل بالاختيار الملازم للتدريج - تعالى الله عن ذلك علواً كبيارً ، وأرقنا في النفي فقلنا : ( من شيء ( لا وحياً ولا غيره ، وما كفانا هذا الفجور حتى قلنا مؤكدين : ( إن ) أي ما .
ولما كان تكذيبهم برسول واحد تكذيباً لجميع الرسل قالوا عناداً : ( أنتم ) أي أيها النذر المذكورون في ( نذير ) المراد به الجنس ، وفي خطاب الجمع إشارة إيضاً إلى أن جواب الكل للكل كان متحداً مع افتراقهم في الزمان حتى كأنهم كانوا على ميعاد ) إلا في ضلال ) أي بعد عن الطريق وخطأ وعمى محيط بكم ) كبير ( فبالغنا في التكذيب والسفه بالاستجهال والاستخفاف .
ولما حكى سبحانه ما قالوه للخزنة تحسراً على أنفسهم حكى ما قالوه بعد ذلك فيما بينهم زيادة في التحزن ومقتاً لأنفسهم بأنفسهم فقال تعالى : ( وقالوا ) أي الكفرة في توبيخ أنفسهم : ( لو كنا ) أي بما هو لنا كالغريزة .
ولما كان السمع أعظم مدارك العقل الذي هو مدار التكليف قالوا : ( نسمع ) أي سماعاً ينفع بالقبول للحق والرد للباطل ) أو نعقل ) أي بما أدته إلينا حاسة السمع وغيرها عقلاً ينجي وإن لم يكن سمع ، وإنما قصروا الفعلين إشارة إلى أن ما كان لهم