كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 75
الكبرياء وإزاره العظمة وتاجه الجلال وحلته الجمال ، ولا ينازعه فيما يدبره من الشرائع ، ويظهره من المعارف ، ويحكم به على عبيده من قضائه وقدره .
ولما كانت الخشية مشيرة إلى الذنوب ، فكان أهم ما إليهم الإراحة منها قال تعالى : ( لهم مغفرة ) أي سترة عظيمة تأتي على جميع ذنوبهم .
ولما كان السرور إنما يتم بالإعطاء قال : ( وأجر ) أي من فضل الله ) كبير ( يكون لهم به من الإكرام ما ينسيهم ما قاسوه في الدنيا من شدائد الآلام ، وتصغر في جنبه لذائذ الدنيا العظام .
ولما كانت الخشية من الأفعال الباطنة ، وكان كل أحد يدعي أنه يخشى الله ، قال مخوفاً لهم بعلمه نادباً إلى مراقبته لئلا يغتروا بحمله ، عاطفاً على ما تقديره لإيجاب المراقبة : فأبطنوا أفعالهم وأظهروها : ( وأسروا ) أي أيها الخلائق .
ولما كان إفراد الجنس دالاً على قليله وكثيره قال : ( قولكم ) أي خيراً كان أو شراً ) أو اجهروا به ( فإنه يعلمه ويجازيكم به لأن علمه لا يحتاج إلى سبب ، وذلك أن المشركين كانوا يقولون : أسروا وإلا يسمع إله محمد : ثم علل ذلك مؤكداً لأجل ما للناس من استبعاد ذلك بقوله : ( إنه ) أي ربكم ) عليم ) أي بالغ العلم ) بذات الصدور ) أي بحقيقتها وكنهها وحالها وجبلتها وما يحدث عنها سواء كانت قد تخيلته ولم تعبر عنه ، أو كان مما لم تتخيله بعد بدليل ما يخبر به سبحانه وتعالى عنهم مما وقع وهم يخفونه ، أو لم يقع بعد ثم يقع كما أخبر به سبحانه ؛ ثم دل على ذلك بقوله معجباً ممن يتوقف فيه أدنى توقف ومنكراً عليهم بإثبات العلم ونفى ضده على أبلغ وجه : ( ألا يعلم ) أي وكل ما يمكن أن يعلم ، وحذف المفعول للتعميم ، ثم ذكر الفاعل واصفاً له بما يقرب المخبر به للإفهام فقال : ( من خلق ) أي الذي أوجد الخلق من القلوب الحاوية للأسرار والأبدان وغير ذلك ، وطبع في كل شيء من ذلك ما طبع مما قدره بعلمه وأتقنه بحمته ، فإن كل صانع أدرى بما صنعه ، ويجوز - وهو أحسن - أن يكون ( من ) مفعولاً والفاعل مستتراً ، أي ألا يعلم الله مخلوقه على الإطلاق وله صفتا اللطف والخبر اللتان شأنهما إدراك البواطن إدراكاً لا يكون مثله لأن الغرض إثبات العلم لما أخفوه لظنهم أنهم إذا أسروا يخفى ، لا إثبات مطلق العلم فإنهم لم ينكروه ) وهو ) أي والحال أنه هو ) اللطيف ) أي الذي يعلم ما بثه في القلوب لأنه يصل إلى الأشياء بأضدادها فكيف بغير ذلك ) الخبير ) أي بالغ العلم بالظواهر والبواطن فكيف يخفى عليه شيء من الأشياء ، وهو أعظم تهديد يكون ؛ فإن من علم أن من يعصيه عالماً به وهو قادر عليه لا يعصيه أبداً .