كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 85
العلم ) أي المحيط من جميع الوجوه بما سألتم عنه من تعيين زمان هذا الوعد وغيره ، ولأجل إظهار فضل العلم اللازم من كماله تمام القدرة صرف القول عن عموم الرحمة إلى إفهام العموم المطلق بالاسم الأعظم فقيل : ( عند الله ) أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال ، فهو الذي يكون عنده وبيده جميع ما يراد منه ، لا يطلع عليه غيره ، وهيبته تمنع العالم بما له من العظمة أن يجترئ على سواله عما لم يأذن فيه ، وعظمته تقتضي الاستئثار بالأمرو العظام ، وإلى ذلك يلوح قوله تعالى : ( وإنما أنا ( ولما كان السياق للتهويل والتخويف ، وكانت النذارة يكفي فيها تجويز وقوع المنذور به فكيف إذا كان مظنوناً فكيف إذ كان معلوم الوقوع في الجملة ليكون العاقل متوقعاً له في كل وقت قال : ( نذير ) أي كامل في أمر النذارة التي يلزم منها ا لبشارة لمن أطاع النذر لا وظيفة لي عند هذا الملك الأعظم غير ذلك ، فلا وصول لي إلى سؤاله عما لا يأذن لي في السؤال فيه .
ولما كان النذير قد لا يقدر على إقامة الدليل على ما ينذر به لأنه يكفي العاقل في قبوله غلبة الظن بصدقه بل إمكان صدقه في التحرز عما ينذر به ، بين أنه ليس كذلك فقال : ( مبين ) أي كاشف للنذري غاية الكشف بإقامة الأدلة عليها حتى تصير كأنها مشاهدة لمن له قبول اللعلم .
ولما كان ما ينذر به لا بد من وقوعه ، وكان كل آت قريباً ، عبر عن ذلك بالفاء والماضي فقال صارفاً العقول إلى الإعراض لأن الرؤية للعذاب في غاية المناسبة للإهانة : ( فلما رأوه ) أي الوعد بانكشاف الموعود به عند كونه ، وحقق معنى الماضي والفاء بقوله : ( زلفة ) أي ذا قرب عظيم منهم ، وذلك بالتعبير عن اسم الفاعل بالمصدر إبلاغاً في المعنى المراد وأكد المبالغة بالتاء لأنها ترد للمباغلة إذا لم يرد منها التأنيث ، ولا سيما إن دلت قرية أخرى على ذلك .
ولما كان المخوف في النذري الوقوع في السوء لا بقيد كونه من معين قال : ( سيئت ( ولما كان السوء يظهر في الوجه قال : ( وجوه ( وأظهر في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : ( الذين كفروا ) أي ظهر السوء وغاية الكراهة في وجوه من أوقع هذا الوصف ولو على أجنى الإيقاع وعلتها الكآبة .
ولما كان لا أوجع من التبكيت عند إحاطة المكروه من غير حاجة إلى تعيين فاعله ، بنى للمفعول قوله : ( وقيل ) أي لهم تقريعاً وتوبيخاً : ( هذا الذي ) أي تقدم من عنادكم ومكركم واستكباركم ) كنتم ) أي جبلة وطبعاً ) به ) أي بسببه ومن أجله ، وصرف القول إلى الخطاب لأن التقريع به أنكأ في العذاب : ( تدعون ) أي تطلبون