كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 87
الذي له من صفات الجلال والإكرام ما يعصم به وليه ويقصم به عدوه ) ومن معي ) أي من المؤمنين والمناصرين بالأعمال الصالحة التي رتب سبحانه عليها الفوز والنجاة حتى لا يبقى أحد ممن يكدر عليكم بالمنع من الهوى القائد إلى القوى والحث على العقل الضامن للنجاة ) أو رحمنا ( بالنصرة وإظهار الإسلام كما نرجوا فأنجانا بذلك من كل سوء ووقانا كل محذور وأنالنا كل سرور ، فالآية من الاحتباك : ذكر الإهلاك أولاً دليلاً على النجاة ثانياً ، والرحمة ثانياً دليلاً على الغضب أولاً ) فمن ( وكان ظاهر الحال يقتضي : يجيركم مع طلبكم المسببات من الفوز والنجاة بغير أسباب بل منافية للنجاة جالبة للعذاب ، فوضع الظاهر موضع الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف واستعطافاً لهم إلى إيقاع الإيمان والرجوع عن الكفران فقال : ( يجير الكافرين ) أي العريقين في الكفر بأن يدفع عنهم ما يدفع الجار عن جاره ) من عذاب أليم ( يصيبهم به الذي هم عالمون بأنه لا شيء إلا بيده ، وإلا لنجى أحد من الموت الذي خلقه وقدره بين عباده جزاء على ما كانوا يؤلمون من يدعوهم إليه وينصحهم فيه ، فإذا كان لا ينجيهم من عذابه شيء سواء متنا أو بقينا فالذي ينبغي لهم إن كانوا عقلاء السعي فيما ينجى من عذابه ، لا السعي في إهلاك من هو ساع في خلاصهم من العذاب ، ولا يقدرون على إهلاكه أصلاً إلا بتقدير الذي أمره بإنذارهم .
ولما كان لا يقدر على التعميم بالنعمة إلا من كان عام القدرة والنعمة والرحمة ، وكان التذكير بالنعم أشد استعطافاً ، صرف القول إلى التعبير بما هو صريح في ذلك ، فقال مذكراً بذلك لعلمهم بأنه لا نعمة عليهم إلا منه واعترافهم بذلك ليحذروه ويتذكروا عموم قدرته فيعلموا قدرته على البعث فينفصل النزاع : ( قل ( يا خير الخلق : ( هو ) أي الله وحده ) الرحمن ) أي الشامل الرحمة لكل ما تناولته الربوبية ، فلا يليق بعقل عاقل أن يدع أحداً من خلقه في ظلم ظالمه فلا يأخذ له بحقه ، لأن ذلك لا يرضاه أقل الناس لنفسه مع عجزه فكيف بمن هو كامل القدرة وإلا لما قدر على عموم الرحمة ) آمنا به ) أي أنا ومن آمن بي لهذا البرهان القاطع بأنه لا يكافئه شيء فهو كاف في الإيمان به ) وعليه ) أي وحده ) توكلنا ( لأنه لا شيء في يد غيره وإلا لرحم من يريد عذابه أو عذاب من يريد رحمته ، فكل ما جرى على أيدي خلقه من رحمة أو نقمة فهو الذي أرجاه لأنه الفاعل بالذات ، المستجمع لما يليق به من الصفات ، فنحن نرجوا خيره ولا نخاف غيره ، وقد أقررنا له بهذه العبارة على وجه الحصر بالألوهية والربوبية فلا نحتج في السلوك إليه إلى معوق عن ذكره والتفكر في آلائه ولو كان المعوق نفسياً في