كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (اسم الجزء: 8)

تفريق زكاة أموالهم بأنفسهم، إذ هو تصرف مالي لا ينفذ إلا ممن كان ذا أهلية ورشد، وإنما يتولي ذلك عنه وليه، أو يأذن له وليه، ويعين له الأشخاص الذين ينبغي أن يدفع زكاته إليهم، على أن يدفع المحجور عليه إليهم بحضرة الولي وإشرافه، خشية أن يتلف المال إذا خلا به.
ثالثاً: إذا كان مصدر السفه هو الصغر، أي بحيث لم يكن مسبوقاً برشد، ترتبت الأحكام المذكورة عليه بدون الحاجة إلي أدعاء، ولا إلي حكم قاض بذلك، فإذا ارتفع السفه، وتحقق الرشد، وانتهي الحجر بموجب ذلك، ثم عاد السفه لسبب عارض، لم تعد هذه الأحكام المذكورة إلا بموجب حكم يصدره القاضي، ومثل السفه في ذلك الجنون.
رابعاً: ولي الصبي ومن في حكمه، ممن لم يطرأ موجب الحجر عليه عرضاً، بل نشأ معه منذ صغره، وهو الأب، ثم الجد للأب وإن علا، ثم وصيهما، بشرط العدالة في كل منهما، فإن فسق الولي بعد أن كان عدلاً نزع القاضي الولاية منه، واختار لها من يراه، أو باشرها بذاته، وذلك لما رواه الترمذي [1102] في النكاح، باب: ما جاء لا نكاح إلا بولي، بسند حسن، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " السلطان ولي من لا ولي له ".
أما من طرأ عليه السفه أو الجنون بعد رشد، فإن وليه القاضي، أو من ينيبه عنه، إذ هو الذي يملك ضرب الحجر عليه، فكان حق الولاية له.
خامساً: يجب على الولي أيا كان أن يتصرف بمال المحجور عليه حسب ما تقتضيه المصلحة، بأن يحفظه عن التلف، وينميه بالوسائل الممكنة، التي لا مقامرة فيها، فيتاجر به، أو يبتاع به عقاراً، أو يسخره في غير ذلك من وجوه التنمية التي يغلب فيها احتمال الغبطة والربح، وذلك لقوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} (سورة النساء: 5).
ومكان الاستدلال في الآية: قوله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} فقد عدى الفعل (بفي) ولم يعده (بمن) تنبيهاً إلي أن على الولي أن ينفق على موليه من ريع

الصفحة 252