كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 8)

وقال: لقد ذكرتني رائقة [1] وصاحبتها أمرا ما سمعته أذناي بعد ليالي جاهليتنا مع جبلة بن الأيهم. فقيل له: أكان القيان يكنّ عند جبلة بن الأيهم؟ فتبسّم ثم جلس فقال: لقد رأيت عنده عشر قيان: خمس منهن روميّات يغنّين بالرومية بالبرابط، وخمس يغنّين غناء أهل الحيرة، أهداهنّ إليه إياس بن قبيصة. وكان إذا جلس للشراب فرش تحته الورد والآس والياسمين وأصناف الرياحين، وضرب [له] بالعنبر والمسك في صحاف الفضّة، وأوقد له العود الهنديّ إن كان شاتيا وإن كان صائفا [بطّن] بالثلج، وأتي هو وأصحابه بكسى من ليّن الكتّان يتفضّل فيها هو وأصحابه. وفي الشتاء الفراء من الفنك وما أشبهه. ولا والله ما جلست معه يوما قطّ إلا خلع عليّ ثيابه التي عليه في ذلك اليوم وعلى غيري من جلسائه. هذا مع حلم عمّن جهل، وضحك وبذل من غير مسألة، مع حسن وجه وحسن حديث. ما رأيت في مجلسه خنا قطّ ولا عربدة، ونحن يومئذ على دين الشّرك، فجاء الله بالإسلام فمحا به كلّ كفر، وتركنا الخمر وما كره؛ وأنتم اليوم مسلمون تشربون النّبيذ من التمر، والفضيخ من الزهو والرّطب، فلا يشرب أحدكم ثلاثة أقداح حتى يصاخب صاحبه ويقارفه، وتضربون فيه كما تضرب غرائب الإبل فلا تنتهون.
«992» - كان ابن عمّار الطائيّ خطيبا فصيحا. وبلغ النعمان بن المنذر حسن حديثه ولذاذة منادمته، فدعاه إلى صحبته، وقال له: يا ابن عمّار، أتدري لمن أريدك؟ قال: والله أبيت اللعن ما أدري، غير أني أدري أنّك لا تريدني لخير، قال: أجل، أريدك لنفسي أخصّك بها وأهنّئها بك، قال: أبيت اللعن، إنك تريدني للنفس الخطيرة الرفيعة الشريفة، غير أني أقول واحدة، قال: قل عشرا.
__________
[1] هكذا في الأغاني وفي م ريقة.

الصفحة 361