كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 8)

قال: إنّ الملك إذا ألزمني نفسه احتجت أن أفرح إذا فرحت، وأحزن إذا حزنت، وأنام إذا نامت، وأستيقظ إذا استيقظت، وأكون تابعا لها في كلّ ما ساءها وسرّها، وإذا كنت في هذه الحال فما أملك من نفسي شيئا، إنما هي لغيري. قال النعمان: فما منك لي بدّ، فاعمل كيف شئت.
وكان النعمان أحمر الجلد، أحمر العين، أحمر الشّعر، وكان من أشدّ الملوك عربدة وأسوئها أخلاقا، وأقتلها للنّدماء. فأجابه ابن عمّار عن ذلك، فنهاه فتى من أهله يقال له أبو قردودة الطائيّ عن منادمته، فأبى ونادم النعمان بعد أن اشترط عليه ابن عمّار شروطا منها: أنه لا يسقيه إذا سكر، ولا يحول بينه وبين المنام إذا غلبته عيناه، ولا ينبّه من سنته حتى يستوفيها، فأجابه إلى كلّ ما سأل.
فأقام بهذه الحال سنة لا يجد عليه النعمان ما يقتله به. فقال له النعمان ذات ليلة، وكان قد غلب على عقله: يا ابن عمّار، أتزعمون أنكم خير منّا ونحن الملوك وأنتم السّوقة؟ ونحن الأشراف وأنتم الأرذال؟ ونحن الرؤساء وأنتم الأذناب؟ ونحن الأرباب وأنتم الأتباع؟ فضحك ابن عمّار، فقال: ممّ تضحك لا أمّ لك؟! قال: أبيت اللعن، إنّك قد عزمت على قتلي، قال: وكيف علمت؟ قال: قد هيأت لي كلاما إن سكتّ عنه كنت عنه منقوصا، وإن أجبت عنه كنت به مقتولا. قال: والله لتجيبنّ أو لأقتلنّك. قال: وأنا أحلف أنّك تقتلني إن أجبتك، وقد كذبت فيما قلت؛ لنحن أقدم في الشرف والعزّ والعدد والثروة والتّبع منك، فانتضى النعمان سيفه وشدّ عليه فقتله.
«993» - كان يحيى بن جبريل البجليّ صديقا لرجل من بني أسد لا يقدّم عليه أحدا. فولي يحيى بن جبريل جرجان، فقيل لصديقه: لو خرجت إلى صديقك فقد أصاب في ولايته، فخرج إليه فأكرمه وسرّ به، وأحضره مائدته، ثم جيء بعد الطعام بشراب، فأبى الأسديّ أن يشربه وقال: هذا شراب لم أشربه

الصفحة 362