كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 8)

أنشدني من أفضل ما عندك وأشدّه تقدّما، فعلمت أنّهما كانا يتماريان في تقديم أبي نواس، فعدلت عنه إلى غيره، لئلا أخالف أحدهما، فقلت: لقد أحسن أشجع في قوله: [من الكامل]
ولقد طعنت الليل في أعجازه ... بالكأس بين غطارف كالأنجم
يتمايلون على النعيم كأنّهم ... قضب من الهنديّ لم تتثلّم
يسعى بها الظبي الغرير يزيدها ... طيبا ويغشمها إذا لم تغشم [1]
والليل ملتحف بفضل ردائه ... قد كاد يحسر عن أغرّ أرثم [2]
فإذا أدارتها الأكفّ رأيتها ... تثني الفصيح إلى لسان الأعجم
وعلى بنان مديرها عقيانه ... من سكبها وعلى فضول المعصم
تغلي إذا ما الشّعريان تلظّيا ... صيفا وتسكن في طلوع المرزم
ولها سكون في الإناء وخلفه ... شغب يطوّح بالكميّ المعلم
تعطي على الظّلم الفتى بقيادها ... قسرا وتظلمه إذا لم تظلم
فقال لي الرشيد: قد عرف تعصّبك على أبي نواس، فإنّك عدلت عنه متعمّدا، ولقد أحسن أشجع ولكنّه لا يقول أبدا مثل أبي نواس: [من المديد]
يا شقيق النّفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم
فقلت له: ما علمت ما كنتما فيه يا أمير المؤمنين، وإنما أنشدت ما حضرني، قال:
حسبك قد سمعت الجواب. وكان في إسحاق تعصّب على أبي نواس لشيء جرى بينهما.
«1093» - وقال إسحاق: اصطبح الواثق في يوم مطير، واتّصل شربه،
__________
[1] يغشم: يظلم.
[2] الأرثم: الذي في طرف أنفه بياض.

الصفحة 395