كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 8)

إذا تقرر ذلك، فمذهب العلماء كافة أن صلاة الخوف مشروعة اليوم كما كانت، إلا أبا يوسف والمزني فقالا: إنها مخصوصة به (¬1).
قَالَ مكحول والحسن اللؤلؤي ومحمد بن الحسن (¬2) وبعض علماء الشاميين، كما نقله ابن بزيزة عنهم عملًا بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] الآية.
والجواب: أن هذا خطاب مواجهة؛ لأنه المبلغ عن الله، لا خطاب تخصيص، لما صح أن الصحابة صلوها بعده، منهم علي وأبو هريرة وأبو موسى وغيرهم (¬3)، وقد قَالَ: "صلوا كلما رأيتموني أصلي" (¬4).
وقالت طائفة، منهم: أبو يوسف وابن علية، فيما حكاه في "التمهيد": لا يصلي بعده إلا بإمامين كل واحد بطائفة ركعتين، واحتجوا بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] الآية.
فإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم؛ لأنه ليس كغيره في ذلك، ولم
¬__________
(¬1) هذا قول أبي يوسف الأول، أما الثاني: فهو موافقته لأبي حنيفة في كونها مشروعة انظر: "المبسوط" 2/ 45، "بدائع الصنائع" 1/ 242، "البيان" 2/ 500.
(¬2) انظر: "البناية" 3/ 194، أما ما ذكره عن محمد بن الحسن ففيه نظر؛ لأنه لا يقول بعدم مشروعيتها، أو أنها مخصوصة به، بل قوله كقول أبي حنيفة أنها مشروعة، انظر: "المبسوط" 2/ 45، "بدائع الصنائع" 1/ 242، "الفتاوى الهندية" 1/ 154.
(¬3) رواه النسائي عن حذيفة 3/ 168 كتاب: صلاة الخوف، وابن أبي شيبة 2/ 215 (8273) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟ ورواه أيضًا عن أبي موسى 2/ 217 (8290) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟ وروى البيهقي عن حذيفة وعلى وأبي موسى 3/ 252 كتاب: صلاة الخوف، باب: الدليل على ثبوت صلاة الخوف وأنها لم تنسخ.
(¬4) سلف برقم (631) كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، والإقامة وكذلك بعرفة وجمع.

الصفحة 18