كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 8)

إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
الجارية في النساء كالغلام في الرجال، ويقال على من دون البلوغ منهما.
ثانيها:
معنى تغنيان: ترفعان أصواتهما بالإنشاد، وكل من رفع صوته بشيءٍ ووالى به مرة بعد مرة فصوته عند العرب غناءٌ، وأكثره فيما ساق من صوت أو شجا من نغمة ولحن، ولهذا قالوا: غنت الحمام، ويغني الطائر. هذا قول الخطابي (¬1)، وفي رواية له في الباب بعده: وليستا بمغنيتين (¬2)، وللنسائي: تضربان الدف بالمدينة.
وفي قوله: (ليستا بمغنيتين) إرشاد إلى أن ذلك ليس بالغناء الذي يهيج النفوس إلى أمور لا تليق، وإنما لم يتخذا الغناء صناعة وعادة.
قَالَ القرطبي: ولا خلاف في تحريم هذا الغناء؛ لأنه من اللهو واللعب المذموم بالاتفاق، فأما ما يسلم من المحرمات فيجوز القليل منه في الأعراس والأعياد وشبهها (¬3)، ومذهب أبي حنيفة تحريمه، وبه يقول أهل العراق، ومشهور مذهبنا ومذهب مالك كراهته (¬4)، وقد ألَّف الناس في تحريمه وإباحته تصانيف عديدة، والتحقيق ما ذكرناه.
وقد بسطت المسألة في "شرح المنهاج" في الشهادات فراجعها منه تجد ما يشفي الغليل (¬5).
¬__________
(¬1) "غريب الحديث" 1/ 656 - 657.
(¬2) حديث (952).
(¬3) "المفهم" 2/ 534.
(¬4) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 3/ 1053.
(¬5) وانظر لزامًا "تحريم آلات الطرب" للألباني.

الصفحة 58