كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 8)

الشَّمْسُ. ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ. ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيلِ الأَوَّلُ ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَال: "الْوَقْتُ بَينَ هَذَينِ"
ــ
الشمس) للغروب أي خالطتها الحمرة لقرب غروبها (ثم أخر المغرب) عن الوقت الذي صلاها فيه بالأمس (حين كان) النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها (عند سقوط الشفق) الأحمر وغيبوبته (ثم أخر العشاء) عن الوقت الذي صلاها فيه بالأمس جدًّا (حتى كان) ومضى وتم (ثلث الليل الأول) بالرفع صفة للثلث (ثم أصبح) صلى الله عليه وسلم أي دخل في الصباح (فدعا) أي طلب النبي صلى الله عليه وسلم (السائل) عن مواقيت الصلاة؛ أي طلب حضوره فحضر وقال: أنا السائل يا رسول الله (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم للسائل وللحاضرين عنده (الوقت) أي وقت صلاتكم ما (بين هذين) الوقتين اللذين صليت فيهما في اليومين أي هما وما بينهما، وفي رواية "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" يعني أن الوقت هذان وما بينهما فيجوز الصلاة في أوله ووسطه وآخره كما في المرقاة، وفي حديث ابن عمرو الوقت فيما بين أمس واليوم، وإنما أخر جوابه كما مر حتى صلى معه في اليومين لأن البيان بالفعل أبلغ، وفيه جواز تأخير البيان عن وقت السؤال إلى آخر وقت يجب فيه فعل ذلك ذكره الزرقاني في شرح الموطأ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [٣٩٥] والترمذي [١٥٣] والنسائي [١/ ٢٦٠]- ٢٦١، وابن ماجه [٦٦٧].
قال القرطبي: وقوله (الوقت بين هذين) وقوله (ووقت صلاتكم بين ما رأيتم) وكذلك في حديث جبريل (الوقت بين هذين) هي كلها حجة لمالك وأصحابه على قولهم إن الوقت الموسع كله للوجوب من أوله إلى آخره، وأن المكلف مخير بين تقديم الصلاة وتأخيرها إلى آخر الوقت فأي وقت صلى فيه المكلف فقد أدى ما عليه، وقد تخبط كثير من الناس في هذا المعنى وطال فيه نزاعهم، وما ذكرناه واضح موافق لظاهر الحديث، وقد ذهب بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي إلى أن وقت الوجوب وقت واحد غير معين، وإنما يعينه المكلف بفعله، وذهب الشافعي إلى أن أول الوقت هو الواجب وإنما ضرب آخره فصلًا بين القضاء والأداء وهذا باطل بما أنه لو تعين ذلك الوقت للوجوب لأثم من أخر الصلاة عنه إلى غيره، وبالإجماع لا يأثم، وذهب الحنفية إلى أن وقت الوجوب آخر الوقت وهذا أيضًا باطل إذ لو كان كذلك لما جاز لأحد أن يوقع الصلاة

الصفحة 387