كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 8)

فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ"
ــ
حديث خباب "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يُشْكِنَا" أي لم يُزِلْ شَكْوَانَا (أجيب) بأن الإبراد رخصة، والتقديم أفضل، أو هو منسوخ بأحاديث الإبراد، والإبراد مستحب لفعله عليه الصلاة والسلام له وأمره به، أو حديث خباب محمول على أنهم طلبوا زائدًا على قدر الإبراد لأنه بحيث يحصل للحيطان ظل يمشي فيه اهـ قسطلاني، وعبارة الفتح هنا قوله (إذا اشتد) أصله اشتدد بوزن افتعل من الشدة ثم أُدغمت إحدى الدالين في الأخرى، ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد لم يشرع الإبراد، وكذا لا يشرع في البرد من باب الأولى، وقوله (فأبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء أي أخروا إلى أن يبرد الوقت، يقال أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل الظهيرة، ومثله في المكان؛ أنجد إذا دخل نجدًا وأتْهَمَ إذا دخل تهامة اهـ.
(فإن شدة الحر) تعليل لمشروعية التأخير المذكور، وهل الحكم فيه دفع المشقة لكونها تسلب الخشوع وهذا أظهر، أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب ويؤيده حديث عمرو بن عبسة الآتي حيث قال له "أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة تسجر فيها جهنم" وقد استشكل هذا بأن الصلاة سبب الرحمة ففعلها مظنة لطرد العذاب فكيف أمر بتركها، وأجاب عنه أبو الفتح اليعمري بأن التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله وإن لم يفهم معناه قاله الحافظ في الفتح (من فيح جهنم) هو بفتح الفاء وسكون الياء وفي آخره حاء مهملة معناه سطوع حرها وانتشاره، ومنه قولهم مكان أفيح أي واسع وأرض فيحاء أي واسعة أي من سعة انتثارها وتنفسها، وهذا كناية عن شدة استعارها كذا في الفتح، وقال علي القاري: أي من غليانها. ومعنى الحديث يحمل على وجهين؛ أحدهما أن شدة حر الصيف من وهج حر جهنم في الحقيقة، وروي أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء فهو منها، وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة، والوجه الثاني أن هذا خرج مخرج التشبيه والتقريب أي كأن شدة الحر من نار جهنم فاحذروها واجتنبوا ضررها والأول أولى ويؤيده الحديث الآتي "اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين" وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [٢/ ٤٦٢] والبخاري [٥٣٣] وأبو داود [٤٥٢] والترمذي [١٥٧] والنسائي [١/ ٢٤٨ - ٢٤٩] وابن ماجه [٦٧٧ و ٦٧٨].

الصفحة 390