كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 8)

قَال: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالظُّهْرِ. فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ". أَوْ قَال: "انْتَظِرِ انْتَظِرْ" وَقَال: "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ".
قَال أَبُو ذَرٍّ: حَتَّى رَأَينَا فَيءَ التُّلُولِ
ــ
وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان كوفيان وواحد مدني (قال) أبو ذر (أذن موذن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بلال بن رباح (بالظهر) أي نادى بصلاته أي أراد بلال أن يؤذن للظهر (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لبلال رضي الله عنه (أبرد أبرد) مرتين أي انتظر البرد (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم والشك من الراوي (انتظر انتظر) مرتين كذلك أي انتظر حصول البرد (وقال) النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الحكمة (إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا) أي فتأخروا (عن الصلاة) مبردين (فإن قلت) الإبراد للصلاة فكيف أمر المؤذن به للأذان (أُجيب) بأنه مبني على أن الأذان هل هو للوقت أو للصلاة؟ وفيه خلاف مشهور، وظاهر هذا يقوي القول بأنه للصلاة لأن الأذان قد وقع وانقضى، أو أن المراد بالأذان الإقامة ويؤيده حديث الترمذي بلفظ "فأراد بلال أن يقيم" وفي رواية البخاري "فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال له: أبرد" وهي تقتضي أن الإبراد راجع إلى الأذان، وأنه منعه من الأذان في ذلك الوقت اهـ قسطلاني.
وقال الحافظ في الفتح: قوله (فقال أبرد) ظاهره أن الأمر بالإبراد وقع بعد تقدم الأذان منه، وسيأتي في الباب الذي بعده بلفظ فأراد أن يؤذن للظهر، وظاهره أن ذلك وقع قبل الأذان فيجمع بينهما على أنه شرع في الأذان، فقال له: أبرد، فترك. فمعنى أذن شرع في الأذان ومعنى أراد أن يؤذن أي يتم الأذان والله أعلم اهـ.
(قال أبو ذر) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له ذلك (حتى) أخرنا تأخيرًا كثيرا إلى أن (رأينا فيء التلول) -بضم المثناة الفوقية وتخفيف اللام- جمع تل بفتح أوله؛ وهو كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحوهما، وهي في الغالب مسطحة غير شاخصة لا يظهر لها ظل إذا ذهب أكثر وقت الظهر وبعد تمكُّنِ الفيءِ واستطالتِهِ جدًّا بخلاف الأشياء المنتصبة التي يظهر فيئها سريعًا في أسفلها لاعتدال أعلاها وأسفلها، والفيء ما بعد الزوال والظل أعم منه يكون لما قبل ولما بعد، والتلول

الصفحة 395