كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 8)

وأمامها مسجد. أمّا الذي إلى جنبها فقد أُقيمت في مكانه عمارة كبيرة جعلوا للمسجد طبقة منها، وفي الطبقة التي تحتها مصرف (بنك) وفي الطبقة التي فوقها مصرف (بنك)، خطبت فيه مرة خطبة الجمعة فقلت للناس: إني أقوم على هذا المنبر أقول إن الله حرّم الربا، فيقول لي مَن هو تحتي: كذّاب، ويقول الذين هم فوقي: كذّاب!
وجعلُ المساجد طبقة في عمارة كبيرة بدعة لم أعرفها في غير الشام وبيروت، وهي حرام لأن أرض المسجد وسماءه له فلا يجوز أن يُملَك ما تحته ولا ما فوقه.
وأمّا المسجد الذي كان أمامها فقد أقاموا في موضعه العمارة التي فيها دوائر الأوقاف.
ذكرنا ما ذهب من المساجد، وآخرها مسجد «دكّ الباب» في دمشق. وما أكثر ما ذهب من المساجد والمدارس القديمة، حتى إن من يمشي في الأزقّة والحارات حول الجامع الأموي في دمشق يري بيوتاً مملوكة على أبوابها نقش على الحجر بأنها مدارس أو مساجد فيها اسم بانيها وما وقف عليها من الأوقاف.
ولكنْ ظلمٌ أن نذكر السيئة ونَدَع الحسنة. صحيح أننا سرقنا أو هدمنا مدارس كثيرة ومساجد في أرض المسلمين الواسعة، ولكننا أنشأنا مساجد أكثر منها: كلما أُقيمَ حيّ جديد في بلد رأيت المساجد تقوم معه، هذه أحياء جدة الحديثة مثلاً: المسجد فيها إلى جنب المسجد، وكلها (والحمد لله والدعاء بالخير لبانيها) كلها شامخة البنيان راسخة الأركان عامرة بالعبادة والإيمان. وفي

الصفحة 11