كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 8)

لاكما يشرح المدرسون اليوم، يفسّرون مثلاً كلمة يتعاضدون بأنهم يتعاونون، بل يمرّ بنا على تاريخ الكلمة: كيف وُضعت، وما هو الجذر الذي اشتُقّت منه، وكيف تَحوّل معناها عن طريق التوسّع والمجاز والعُرف، فيقول مثلاً: إن أصلها من العَضُد، لأن الاسم أسبق دائماً في الوضع من الفعل، ولأن صيغة تفاعلوا تدلّ على المشاركة فالتعاضد هو لفّ العضُد على العضُد، والتكاتف إسناد الكتف بالكتف. وأعرض عنه: أي أعطاه عرضه فلم يُقبِل عليه بوجهه. وصفح عنه: منحه صفحة خدّه، أي لم يواجهه باللوم. وأمثال ذلك.
ومشيت أنا في تدريس الطلاب على هذه الطريقة. ولو وجدت من تلاميذي، أو لو وجد الأستاذ الجندي أو زميله المبارك منا نحن تلاميذه مَن يدوّن ما يقول لكان من ذلك كتب في الأمالي كأمالي الأولين.
ثم عاد من الحصة المقبلة بعد أن شرح القصيدة يقول لنا: اصرفوا أنظاركم عنها، لا تحفظوها لأن المتنبي في عُرف أهل اللغة شاعر مولَّد لا يُحتجّ بعربيته. وجعل يحفّظنا الشعر الجاهلي والإسلامي (أي الأموي)، فحفظنا المعلقات وجانباً كبيراً من الشعر الإسلامي، لا يزال في ذهني إلى اليوم قصائد كثيرة منها أحفظها برمّتها ولا أزال أرويها. انظروا أين كنا وإلى أين هبطنا.
قرأت في مجلة من نحو أسبوع هذه الكلمة، أنقلها بنصّها وإن كنت أكرم قلمي عن أن يخطّ مثلها وأصون صحفي عن أن أسوّدها بها، وهي: "قرأت في عدد من أعداد «المجلة» قصيدة

الصفحة 372