كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 8)

عمودية للأستاذ الحيدري، والواقع أنني لم أُعجَب بهذه القصيدة، ولم أكن أتصوّر أن شاعراً كبيراً كالحيدري سيعود إلى مثل هذا الشعر الذي كان شائعاً في العشرينات من هذا القرن". انتهى، وأشهد أن لا إله إلاّ الله!
هل كنتم تظنون أن يأتي على الناس يوم يخجل فيه واحدٌ منا أن نعود إلى شعر العشرينات (يقصد العشرينيّات) من هذا القرن؟ أي إلى شعر شوقي وحافظ ومِن قبلهما البارودي! فهل ترونه يرضى لنا أن نعود إلى شعر أبي تمام والبحتري فضلاً عن جرير والفرزدق، فما بالك بعودتنا إلى شعر النابغة وزهير ولبيد؟ أيريد بخمسة أسطر في هذه المجلة أن يمحو خمسمئة ألف بيت من الشعر قيلت في ألف وستمئة سنة من عمر الدهر؟!
إن للشعر معنى محدّداً وصورة ثبتَت في أذهان الناس من أيام الأفْوَه الأَوْديّ (الذي كان يعيش كما قالوا على عهد سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام)؛ إن الشعر عندنا لا يمشي إلاّ على ساقين من الوزن والقافية، فإن فقد إحداهما مشى على العكاكيز، وإن فقدهما صار شعراً كسيحاً لا يتحرّك إلاّ على كرسيّ ذي دواليب.
رحم الله الأستاذ العقّاد، عندما كان رئيس لجنة الشعر قدّموا إليه بعض هذا الذي يسمّونه «شعر الحداثة» فأحاله إلى لجنة النثر، لأنه أراد أن يدخل مدينة الشعر بجواز مزوَّر فردّه إلى موطنه، ولولا أنه رحمه وأشفق عليه لأحاله إلى محكمة الجنايات بتهمة التزوير!
* * *

الصفحة 373