كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 8)

المختارات التي تضعونها في كتب المطالعة وتُلزِمون التلاميذ بفهمها وحفظها هي العامل الأول في تنمية الملَكة الأدبية في نفوسهم وتقويتها أو في إضعافها وإماتتها. ولقد صرنا نجد مَن يكتب في الصحف يسخر من شوقي ومَن لو أنصف الناس لنصبوه وإخوانه على الأعمدة ليكونوا عِبرة لمن يتجرّأ على الحقّ وينصر الباطل، يسخرون من شوقي وما ظهر من قرونٍ مَن هو أشعر من شوقي. شوقي الذي قال وهو في طراوة الشباب قبل أن يقوى عوده ويشتد أَسْره:
صوني جَمالَكِ عنّا إنّنا بشَرٌ ... مِنَ التّرابِ، وهذا الحُسنُ رُوحاني
أوْ فابتغي فَلَكاً تأوينَهُ ملَكاً ... لا تنصِبي شرَكاً للعالَم الفاني
قابِلوا -ناشدتكم الله- بين هذا الكلام وبين ما يقوله شعراؤكم أهل الحداثة (أو الحدث)! شوقي القائل:
أفضى إلى ختمِ الزّمانِ ففَضَّهُ ... وحبا إلى التاريخِ في محرابِهِ
وطوى القُرونَ القَهْقَرى حتّى أتى ... فرعَونَ بينَ طعامِهِ وشرابِهِ
شوقي الذي أنطق في قصيدة «الأزهر» أكبرَ ناطق وهو الدنيا، وأسمع أعظمَ سامع وهو الزمان حين قال:
قُمْ في فَمِ الدّنيا وحَيِّ الأزهرا ... وانثُرْ على سَمْعِ الزّمانِ الجَوْهرا
شوقي الذي قال في قصيدته عن نابليون:
وُضِعَ الشَّطْرَنجُ فاستقبَلْتَهُ ... ببَنانٍ عابثٍ باللاعبِينْ
صِدتَ شاهَ الرُّوسِ والنّمسا معاً ... مَنْ رأى شاهَينِ صِيدا في كَمينْ؟
* * *

الصفحة 374