كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 8)

فإذا أردنا تبديلاً ذهبنا إلى بيت خالتي أم المشايخ: الشيخ شريف والشيخ سهيل والشيخ طه والسيد ثابت، وهي الشقيقة الكبرى لمحب الدين الخطيب التي ربّته وكانت له أماً بعد أن فقد أمه طفلاً. وكان هذا البيت مثلاً عجيباً للبيوت الشامية المتداخلة: يركب من جهة على بيت الجيران، له الطابق الأرضي وما فوقه للجيران، وهم يركبون ظهره من الجهة الأخرى فيكون السفل لهم وما فوقه له. ويدخل في بيت عمّي بيتُ جيرانه من الجهة الثالثة، فيكون له الوسط ولهم ما تحته وما فوقه! هندسة عجيبة. والبيوت متصلة السطوح، حتى إننا كنا نستطيع أن نقطع الحيّ كله من أوله إلى آخره من غير أن نضع أقدامنا على الأرض.
وكان الثوار (أيام الثورة السورية سنة 1925) يمشون من جوار الأموي إلى قرب باب الجابية على السطوح المتصلة. ولبعض هذه الدور بابان (كدار الشيخ هاشم الخطيب ودار الشيخ صلاح الدين الزعيم، وهو الأخ الأكبر لحسني الزعيم صاحب بدعة الانقلاب) فكان المتظاهرون يدخلون الحارة يتعقّبهم الفرنسيون ومَن كان معهم بسلاحهم ليحصروهم، فإذا ولَجوا لم يجدوا فيها أحداً. كانوا (أي الثوار) يدخلون من باب الخيضرية (الخضيرية) إلى زقاق البرغل عند باب الجابية، فيجتازون خُمس دمشق من داخل بيت الشيخ هاشم الخطيب رحمه الله! كما يدخلون بيت الشيخ صلاح الزعيم في حيّ السمّانة من طرف دمشق فيخرجون من الباب الآخر إلى طرف بساتين الغوطة.
كان متنفَّسنا حين نريد متنفَّساً أن نذهب إلى بيت خالتي عند المدرسة البادرائية بين الأموي وباب السلام، الذي كان يُدعى

الصفحة 384