كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 8)

ولي كتاب صغير عن «الجامع الأموي» ألّفته لوزارة الأوقاف أيام الوحدة، جمعتُ فيه تاريخ المسجد: أبوابه ومآذنه ومحاريبه وكل ما يتصل بخبره، ولم أذكر فيه المراجع التي رجعت إليها لأني وجدت أساتذة كباراً جداً أخذوا ما كنت جمعت من أخبار أبي بكر وعمر في الكتابين الجامعَين اللذين ألّفتهما عنهما وطُبعا في أوائل الثلاثينيات من هذا القرن الميلادي (نحو سنة 1352هـ) أخذوها ونسبوها إلى المصادر التي نقلتُ عنها، وهم لم يروا هذه المصادر ولم يصلوا إليها لأن بعضها مخطوط في الظاهرية! وأبطلوا جهدي وهدروا تعبي، ولذلك حديث طويل ليس هنا مكانه.
* * *
وكنا إذا أردنا نجعة أكبر وتبديلاً أكثر ذهبنا إلى بيت عمّي الأكبر الشيخ عبد القادر، الذي كان المرجع في علم الفلك الإسلامي وكان منزله في العفيف في أوائل حيّ المهاجرين. وقد أنشأ هذا الحيَّ الأتراكُ للمهاجرين من أهل إقريطش (كريت) وما والاها لمّا غلبهم الكفار على أرضهم وانتزعوا منهم جزيرتهم، وكان موضع «المهاجرين» ممتلئاً بالمدارس، تقوم صفاً متصلاً على كتف نهر يزيد متجاورة لا يكاد يُحصى عددها، من الصالحية إلى السفح المطلّ على الوادي. وفي قاسيون واديان: الوادي الأكبر الذي يجري فيه بردى، ويقدّر العلماء أن مجراه هو الذي أنشأ الله به هذا الوادي في سوالف الدهر. وهو من أجمل أودية الدنيا، لا أعرف مثله إلاّ وادي الآرْدِن في بلجيكا الذي يجري فيه نهر الموز، وفيه قرية دينان حيث كانت المعارك في الحربين العالميتين بين الحلفاء والألمان.

الصفحة 386