كتاب موسوعة أحكام الطهارة (اسم الجزء: 10)

مبحث:
في الوضوء مما مست النار
اختلف الفقهاء في الوضوء مما مست النار،
فقيل: يجب الوضوء مما مسته النار، اختاره بعض الصحابة رضي الله عنهم، منهم ابن عمر، وعائشة، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وأبو طلحة، وزيد بن ثابت، وغيرهم (¬1).
واختاره الزهري رحمه الله تعالى (¬2).
وقيل: لا يجب فيه وضوء، وعليه عمل الخلفاء الراشدين (¬3)، وهو مذهب جماهير أهل العلم على خلاف بينهم:
هل كان الوضوء منه واجباً فنسخ؟ اختاره بعض المالكية (¬4)، وهو
¬_________
(¬1) انظر الأوسط لابن المنذر (2/ 213)، التمهيد (3/ 331).
(¬2) التمهيد (3/ 331).
(¬3) التمهيد (3/ 332)، المفهم (1/ 603).
(¬4) قال الباجي في المنتقى (1/ 65): " روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأسانيد لا بأس بها، أنه قال: توضئوا مما أنضجت النار " واختلف أصحابنا في تأويل ذلك، فمنهم من قال: إنه لم يكن قط الوضوء مما أنضجت النار واجباً، وإنما كان معناه المضمضة وغسل الفم على وجه الاستحباب، ومنهم من قال: قد واجباً، ثم نسخ، وتعلقوا في ذلك بما رواه شعيب ابن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله أنه قال: كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ".
وقال القرطبي في المفهم (1/ 603): " قوله: " توضئوا مما مست النار " هذا الوضوء هنا هو الوضوء الشرعي العرفي عند جمهور العلماء، وكان الحكم كذلك ثم نسخ، كما قال جابر ابن عبد الله: " كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار " وعلى هذا تدل الأحاديث الآتية بعد، وعليه استقر عمل الخلفاء ومعظم الصحابة وجمهور العلماء من بعدهم، وذهب أهل =

الصفحة 891