كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
ذكر بيعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه وخبر السقفية ، وما وقع بين المهاجرين والأنصار من التراجع في الإمارة
بويع أبو بكر الصّديق رضى الله عنه بالخلافة في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول ، سنة إحدى عشرة من الهجرة ؛ وهو اليوم الذي مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، في سقيفة بنى ساعدة ، وذلك قبل أن يشرع في جهاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
وكان من خبر سقيفة بنى ساعدة ، أنّه لمّا توفّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، اجتمعت الأنصار في سقيفة بنى ساعدة ، وقالوا : نولّى هذا الأمر بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد ابن عبادة ، وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض ، فلمّا اجتمعوا قال سعد لأبيه - أو لبعض بنى عمّه : أني لا أقدر أشكو ، أي أن أسمع القوم كلهم كلامى ؛ ولكن تلقّ منى قولي فأسمعهموه ، فكان سعد يتكلّم ويحفظ الرجل قوله ، فيرفع به صوته ، فيسمع أصحابه ، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : يا معشر الأنصار ، إن لكم سابقة في الدين ، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب ؛ إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن ، وخلع الأوثان ، فما آمن به إلا رجال قليل ؛ والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسوله ، ولا أن يعزّوا دينه ، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم فيما عمّوا به ؛ حتى إذا أراد بكم الفضيلة ؛ ساق إليكم الكرامة ، وخصّكم بالنعمة ، ورزقكم الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه ، والإعزاز له ولدينه ، والجهاد لأعدائه . فكنتم طوعا وكرهاً ، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا ؛ وحتى أثخن الله لرسول بكم الأرض ، ودانت بأسيافكم له العرب . وتوفّاه الله إليه وهو عنكم راض ، وبكم قرير العين . استبدّوا بهذا الأمر دون النّاس ؛ فإنه لكم دون الناس .
فأجابوه بأجمعهم ، أن قد وفّقت في الرأى ، وأصبت شفى القول ، ولن نعدو ما رأيت ؛ نولّيك هذا الأمر ؛ فإنك فينا رفيع ، ولصالح المؤمنين رضّا .
ثم إنهم ترادوا الكلام ، فقالوا : فإن أبت مهاجرة قريش ؟ فقالة : نحن المهاجرون وصحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأولون ، ونحن عشيرته وأولياوّه ؛ فعلام تنازعوننا