كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
الأمر من بعده ؟ فقالت طائفة منهم : فإنا نقول إذّا فمنّا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا أبدا . فقال سعد بن عبادة حين سمعها : هذا أول أول الوهن وأتى عمر رضى الله عنه الخبر ، فأقبل إلى منزل النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فأرسل إلى أبى بكر ، وأبو بكر في الدار وعلي بن أبي طالب دائب في جهاز النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إلى ؛ فأرسل إليه : أني مشتغل ، فأرسل إليه : إنه قد حدث أمر لابدّ لك من حضوره ، فخرج إليه ، فقال : أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بنى ساعدة ، يريدون أن يولّوا هذا الأمر سعد بن عبادة ؛ وأحسنهم مقالة من يقول : منّا أمير ومن قريش أمير فخرجا مسرعين نحوهم ، فلقيا أبا عبيدة بن الجراح ، فمّاشوا إليهم ثلاثتهم ، فلقيهم عاصم بن عدىّ وعوّيم بن ساعدة ، فقالا لهم : أين تريدون ؟ قالوا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار . قالا : فارجعوا . فاقضوا أمركم بينكم ؛ فإنّه لم يكن إلا ما يحبون ، فقالوا : لا نفعل .
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في حديثه : فقلت : والله لنّتينّهم قال : فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بنى ساعدة وإذا بين أظهرهم رجل مزمّل ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : سعد ابن عبادة . قلت : ما شأنه ؟ قالوا : وجع ، فقام رجل منهم ، فحمد الله وقال : أمّا بعد ، فنحن الأنصار ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر قريش رهطنا ، وقد دفّت إلينا من قومكم دافّة .
قال : فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر . وقد كنت زوّرت في نفسي مقالة أقدّمها بين يدي أبى بكر ، وكنت أدارى منه بعض الحدّ ، وهو كان أوقر منى وأحلم ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال لي : على رسلك وكرهت أن أغضبه ، فقام ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، فما ترك شيئا زوّرت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت ، إلا قد جاء به ، أو بأحسن منه .

الصفحة 18