كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
وقال : أمّا بعد ، يا معشر الأنصار ، فإنّكم لا تذكرون منكم فضلاً إلا أنتم له أهل ، وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ؛ هم أوسط العرب دارا ونسبا ، وأني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيّهما شئتم . وأخذ بيدي وبيد أبى عبيدة بن الجراح .
يقول عمر وهو على المنبر : وإني والله ما كرهت من كلامه شيئا غير هذه الكلمة ، أن كنت أقدّم فتضرب عنقي أحبّ إلى من أن أومر على قوم فيهم أبو بكر .
قال : فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل ، فقال : أنا جذيلها المحكّك ، وعذيقها المرجّب ؛ منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش .
قال عمر : وارتفعت الأصوات ، وكثر اللغظ ، فلما أشفقت الاختلاف قلت لأبى بكر : ابسط يدك نبايعك ، فبسط يده فبايعته ، وبايعه المهاجرون ، وبايعه الأنصار ، ثم نزوا على سعد ؛ حتى قال قائلهم : قتلتم سعد بن عبادة . فقلت : قتل الله سعدا وإنا والله ما وجدنا أمر هو أقوى من مبايعة أبى بكر ، إنّا خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإما أن نبايعهم على ما نرض ، أو نخالفهم فيكون فشل .
ومن رواية عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى عمر الأنصاري ، وذكر ما تكلّم به أبو بكر الصديق رضى الله عنه ، وما قاله الأنصار ، فقال بعد أن ساق ما تقدم أو نحوه ، ثم قال : فبدأ أبو بكر ، فحمد اله ، وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسولاً إلى خلقه ، وشهيداً على أمّته ؛ ليعبدوا الله ويوحّدوه وهم يعبدون من دونه آلهةً شتى ، يزعمون أنّها لهم عنده شافعة ، ولهم نافعة ، وإنّما هي حجر منحوت ، وخشب منجور . ثم قرأ : " ويعبدون من دون الله مالا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاونا عند الله " ، وقالوا : " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم ، فخصّ الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به ، والمواساة له والصبر معه ، على شدّة أذى