كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 20 """"""
قومهم لهم ، وتكذيبهم إيّاهم ، وكلّ النّاس لهم ، وإجماع قومهم عليهم ، فهم أوّل من عبد الله في الأرض ، وآمن بالله والرسول ، وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم . وأنتم يا معشر الأنصار ، أنتم من لا ينكر فضلهم في الدين ، ولا سابقتهم العظيمة فى الإسلام ، رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله ، وجعل إليكم هجرته ، وفيكم جلّة أزواجه ، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم ، فنحن الأمراء ، وأنتم الوزراء ، لا تفاتون بمشورة ولا تقضى دونكم الأمور . قال : فقام الحباب بن المنذر بن الجموح ، فقال : يا معشر الأنصار ، املكوا على أيديكم . فإنّ الناس في فيئكم وفي ظلّكم ، ولن يجترئ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم ؛ وأنتّم أهل العز والثروة ، وأولو العدد والتجربة ، وذوو البأس والنّجدة ؛ وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ، فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم ، وتنتقض عليكم أموركم ، فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم ، فمنا أمير ومنهم أمير .
فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان في قرن إنه والله لا يرضى العرب أن يؤمّروكم ونبيّها صلى الله عليه وسلّم من غيركم ؛ ولكن العرب لا تمتنع أن تولّى أمورها من كانت النبوّة فيهم ، وولىّ أمورهم منهم ؛ ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجّة الظاهرة والسلطان المبين . من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ؛ ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل ، أومتجانف لإثم أو متوّرط في هلكه فقام الحباب بن المنذر ، فقال : يا معشر الأنصار ، املكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموه ، فأجلوهم عن هذه البلاد ، وتولّوا عليكم هذه الأمور ؛ فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم ؛ فإنه بأسيافكم دان لهذا الدّين من لم يكن يدين ، أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرّجب ؛ أما والله لئن شئتم لنعيدنّها جذعةً فقال له عمر : إذن يقتلك الله قال : بل إياك يقتل .

الصفحة 20