كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 201 """"""
وطليت بالقار وغيره من الأطلية التي تمنع الماء أن يدخل التابوت ، وجعل فيه مواضع للحبال ، ودخل فيه ومعه رجلان من كتابه ممن له علم بإتقان التصوير ، وأمر أن يستر عليه ، وعليهم باب التابوت ، ويطلة بتلط الأطلية ، وأمر بمركبين ، فعلق التابوت بينهما وجعف في أسفله من الخارج مثقلات الرصاص والحدي ، وسد حباله إلى المركبين ، وأخرجهما إلىلا اللجة ، وسمر بعضها بخشب إلى بعض بئلا يفترقان وارخوا التابوت في البحر ، فاستقر تب 4 قرارة ، فنظر من تلك الجامات إلى دواب البحر وحيواناته ؛ فإذا بصور شياطين على أمثال الناس ، رؤوسهم كرؤوس السباع ، وفي أيديهم الفئوس والمقامع والمناشير ، يحاكون بذلك صناع المدينة ، فأثبت الإسكندر ومن معه تلك الصور ، وأحكموها في القراطيس على هيئاتها وأشكالها وقدودها ، ثم حرك الحبال ، فرفعه من بالمركب .
فلما خرج أمر المصورين بتصوير تلك الصور ، وصنعها من النحاس والحديد والحجارة ، فعملت تماثيلها ، ثم نصبها على الأعمدة بشاطئ البحر ، وأمر بالبناء فبنى ، فلما جن الليل ، وظهرت تلك الدواب من البحر ، نظرت إلى أشكال صورها على العمد فرجعت إلى البحر ولم تعد ، فتم بناء الإسكندرية ، وشيدت ، فأمر أن يكتب على أبوابها ) هذه الاسكندرية ، أردت أن ابنيها على الفلاح والنجاح واليمن والسرور ، والثبات على الدهور ، فلم يرد الباري ملك السموات والأرض ومفنى الأمم أن أبنيها كذلك ، فبنيتها وأحكمتها ، وشيدت سورها ، وآتى بي الله من كل شيء علما وحكماً ، وسهل لي وجوه الأسباب ، فلم يتعذر على في العالم شيء مما أردته ، ولا أمتنع على شيء مما طلبته ، لطفاً من الله عز وجل وصنعا لي ، وصلاحاً لعباده من أهل عصري ، والحمد لله رب العالمين ، لا إله إلا الله هو رب كل شيء . ورسم هذه الكتابة كل ما يحدث ن العمران والخراب ، وما يؤول أمرها إليه إلا آخر وقت دثور العالم .
وكان بناؤها طبقات ، وتحتها قناطر مقنطرة تدورها ، ويسير تحتها الفارس ، وبيده رمح لا يطيق به حتى يدور جميع أبراجها وقناطرها ، وعمل لتلك العقود والأبرج مخاريق للضياء ، ومنافذ للهواء .

الصفحة 201