كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 203 """"""
موضعه ، وأوصى به صاحب القصر . فلما قفل المسلمون من الإسكندرية قالوا : أين ننزل ؟ قالوا : الفسطاط - يريدون فسطاط عمرو ، وكان مضروباً في موضع دار عمرو بن العاص الت عمرت بعد - واختلط عمر والمسجد الجامع العمري ، وكان ما حوله حدائق وأعناب ، فنصبوا الحبال حتى استقامت لهم ، ووضعوا أيديهم ، فلم يزل عمرو قائماً حتى وضعوا القبلة ، واتخذ عمرو في المسجد منبراً .
فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أما بعد ، فإنه بلغني أنك اتخذت منبراً ترقى به على رقاب المسلمين ، أما يحسبك أن تقوم قائماً ، والمسلمون تحت قدميك فعزمت علك لما كسرته .
قال : واختلط الناس بعد ذلك . فكتب عمرو إلى عمر : إنا قد أختططنا لك داراً عند المسجد الجامع .
فكتب إليه عمر : أني لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر وأمره أن يجعلها سوقاً للمسلمين ، ففعل ، فكان يباع بها الرقيق .
قال : ولما اختط المسلمون تزكوا بينهم وبين البحر والحصن فضاء لتغريق دوابهم وإبادتها ، فلم يزل كذلك حتى ولي معاوية ابن أبي سفيان ، فاشترى دور قوم منهم ، وأقطعهم من ذلك الفضاء ، فسميت القطائع ، وبناها أولئك دورا لهم بدل دورهم .
قال : واختطت همدان ومن والاها الجيزة ، فكتب عمرو إلىعمر يعرفه أمر الخطط .
فكتب إليه عمر يقول له : كيف رضيت أن تفرق اصحابك ولم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك ، أن يكون بينك وبينه بحر لا تدري ما يفجؤهم . فلعلك لا تقدر على غياثهم حتى ينزل بهم ما تكره ، فأجمعهم إليك ، فإن أبوا عليك وأعجبتهم موضعهم ، فابن عليهم من في المسلمين حصناً .
فعرض عمرو ذلك عليهم ، فأبوا ، وأعجبهم موضعهم بالجزيرة ، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن الذي بالجيزة ، في سنة إحدى وعشرين ، وفرغ من بنائه في سنة اثنتين وعشرين . والله سبحانه وتعالى أعلم وحسبنا الله ونعم الوكيل .

الصفحة 203