كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 204 """"""
ذكر خبر أصل النيل وكيف كانت عادة القبط وإبطال عمرو تلك العادة
قال ابن لما فتح عمرو بن العاص مصر أتاه أهلها حين دخل بؤونة من أشهر القبط ، فقالوا : أيها الأمير ، إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها ، فقال لهم : وما ذاك ؟ قالوا : إذا كان لثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر ، عمدنا إلى جارية بكر من أبوابها فأرضيناها ، وجعلنا عليها من الحلي والثياب افضل ما يكون ، ثم ألقيناها في هذ االنيل . فقال لهم عمرو : إن هذا لم يكون في الإسلام ، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله . قأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى ، لا يجرى كثيراً ولا قليلاً ؛ حتى هموا بالجلاء ، فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلكن فكتب إليه : قد أصبت ، إن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي . فلما قدم الكتاب على عمرو فتح البطاقة ؛ فإذا فيها : من عبد الله عمر أمير المؤمنين ، إلى نيل أهل مصر : أما بعد ، فإن كنت تجري ن قبلك فلا تجر ، وإن كان الله الواحد القهار الذي يجريك ، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك .
فألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم ، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء ، فأصبحوا وقد أجرى الله عز وجل النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة ، وانقطعت تلك السنة السيئة عن أهل مصر .
ذكر ما قرر في أمر الجزية من الخراج
قال : وكانت فريضة مصر لحفر خلجانها ، وإقامة جسورها ، وعمارة قناطرها ، وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفاً ، معهم الطور والمساحي والأداة يعتقبون ذلك لا يدعونه شتاء ولا صيفاً .
ثم كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو أن يختم على رقام أهل الذمة بالرصاص ، ويظهر مناطقهم ، ويجزوا نواصيهم ، ويركبوا على الأكف عرضاً ،

الصفحة 204