كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
ذكر خبر خليج أمير المؤمنين
وهذا الخليج كانت السفن تسير فيه من مصر إلى بحر القلزم ، تحمل الطعام والأصناف إلى مكة والمدينة .
وكان من خبره على ماروى عن الليث بن سعد أن الناس بالمدينة أصابهم جهد شديد في خلافة عمر بن الخطاب في عام الرمادة ، فكتب إلى عمرو : من عبد الله أمير المؤمنين ، إلى العاصي ابن العاص .
سلام عليك ، أما بعد ؛ فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معي ، فيا غوثاه ، ثم ياغوثاه يردد قوله .
فكتب إليه عمرو : لعبد الله عمر أمير المؤمنين ، من عمرو بن العاص أما بعد . فيا لبيك ثم يا لبيك ، وقد بعثت إليك بعير أولها عنك وآخرها عندي ، والسلام عليك ورحمة الله .
وبعث إليه بعير عظيمة ، فكان أولها بالمدينة ، وأخرها بمصر يتبع بعضها بعضاً ، فلما قدمت على عمر وسع بها على الناس ، ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وماحولها بعيراً بما عليه من الطعام . وبعث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص أن يقسموها على الناس ، ويدفعوا إلى اهل كل بيت بعيراً بما عليه ، وأن يأكلوا الطعام ، وينحروا البعير فيأكلوا لحمة ، ويأتدموا شحمه ، ويحتذوا جلده ، وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام لما أرادوا . فوسع الله بذلك على الناس ، فلما رأى ذلك عمر حمد الله ، وكتب إلى عمرو أن يقدم عليه ، هو وجماعة أهل مصر ، فقدموا عليه .
فقال عمر : يا عمرو ، إن الله تعالى قد فتح على المسلمين مصر ، وهي كثيرة الخير والطعام ، وقد ألقى ف روعي لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين والتوسعة عليهم ، أن أحفر خليجاً من نيل مصر حتى يسيل في البحر ، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة ، فإن حمله على الظهر يتعذر ، ولا نبلغ منه ما