كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 19)

"""""" صفحة رقم 208 """"""
نريد ، فانطلق أنت وأصحابك ، فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم ، فانطلق عمرو فأخبر من كان معه من اهل مصر ، فثقل ذلك عليهم ، وقالوا : نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على مصر ، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له : إن هذا الأمر لا يعتدل ولا يكون ، و لا نجد إليه سبيلاً .
فرجع عمرو بذلك إلى عمر ، فلما ره ضحك وقال : والذي نفسي بيده لكأني أنظر أليك يا عمرو ، وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرت به ، فثقل ذلك عليهم ، وقالوا لك كذا وكذا . للذي كان منهم فقال : صدقت والله يا أمير المؤمنين ، لقد كان الامر على ماذكرت .
فقال عمرو : يا عمرو ، انطلق بعزيمة منى حتى تجد في ذلك ، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله تعالى .
فانصرف عمرو ، ثم احتفر الخليج الذي كان في حاشية الفسطاط الذي يقال له : خليج أمير المؤمنين ، فساقه من النيل إلى القلزم ، فلم يأت الحول حتى جرت فيه السفن ، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة ، فنفع الله بذلك أهل الحرمين ، سمى خليج أمير المؤمنين ، ثم لم يزل يحمل فيه الطعام إلى زمن عمر بن عبد العزيز ، ثم ضيعه الولاة بعد ذلك فترك وغلب فيه الرمل ، فانقطع ، فصار منتهاه إلى ذنب التمساح من ناحية طحا القلزم .
قال : ويقال : إن عمرو بن العاص قال لعمر بن الخطاب . لما قدم عليه : ياأمير المؤمنين ، قد عرفت أنه كانت تأتينا سفن فيها تجار من أهل مصر قبل الإسلام ، فلما فتحنا مصر انقطع ذلك الخليج ، واستد ، وتركته التجار ؛ فإن شئت أن تحفره فننشئ به سفنا يحمل فيها الطعام إلى الحجاز فعلته . فقال له عمر : نعم ، فافعل .
فلماذكر عمر ذلك لأصحابه كرهوه على ما تقدم ، فعزم عمر على عمرو أن يحفره فحفره .
ويقال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كتب إلى عمر بما كتب واستغاثه ، كتب عمرو إليه : أما بعد ، فيالبيك ثم يا لبيك ، أتتك عير أولها عند وآخرها عندي ، مع أني أرجو أن أجد السبيل إلى أن أحمل إليك في البحر . ثم إن عمر ندم على كتابه في الحمل إلى المدينة ، وقال : إن أمكنت عمر من هذا خرب مصر ونقلها إلى المدينة ، فكتب إليه : إني نظرت في أمر البحر ، فإذا هو عسر لا يلتأم ولا يستطاع . فكتب إليه

الصفحة 208